قيل إن الذين لايتذكرون الماضي عليهم أن
يجربوه مرة أخرى.فبتأكيد إن الأشياء الجميلة
والرائعة والمقرونة بالذكريات والنوادر
الطريفة تظل راسخة في ذهن المرء.فما أجمل ماضي
الإنسان المتشبع بالفطرة والحياة البسيطة
المجردة من التعقيدات والملابسات الحديثة.فما
أحوجنا اليوم لسماع حكايات الخرافة والغولة
ونحن نتذوق القلية والكاكاوية المحمصة ونحتسي
كوب الشاي ونستيقظ في كل صباح على أعزوفة
صيحات أطفالنا وهم يجوبون الشوارع والأزقة
ويمارسون ألعابهم الشعبية(الوابيس-طاق
طرباق-البطش-وين بيت بوسعدية).
حتى الطيور الصغيرة(أم بيسيسي-الغليص وغيرها
من المسميات المختلفة) والتي لم ترحمها
الأفخاخ والشراك والمزاريق لم نعد نسمع بها
قطا.وتسريحة القطية التي كانت في يوما ما موضة
يتباهى بها الصغار بين أقرانهم أندثرت مع
الأيام الغابرة.
وللأكلات الشعبية
(الفتات-البسيسة-المجردق-البازين-التكرة-
المثرودة-المقطع-الدشيشة-الزميتة) أخذت نصيبها
ولم يرحمها الزمن فأصبحت تعد بطرق حديثة وغير
مستأسغة المذاق والطعم.
لم نعد نسمع بالمسحراتي في رمضان.
إننا بالفعل نحتاج لتنشيط ذاكرة الماضي
لإستعادة بعض مما نسج منه.فالضوضاء والصخب
والأوبيئة والأمراض الفتاكة أصبحت في مرتبة
الطليعة وهاجساً حقيقياً لكل مرء وهو يجوب
ويجول في الشوارع المكتظة بالمارة والسيارات
والمياه الراكدة والأتربة العالقة في
الهواء.فالمصاحفة وأفشاء السلام أصبحت
حرارتهما باردة وبالمقابل المقابلات واللقاءت
كلها روتينية يسودها طابع المصلحة الخاصة
وتقاسم الإبتسامات الزائفة.
نحن نخوض صراعاً مع أنفسنا والمحصلة دائما صفر
على الشمال
فبالأمس القريب كانت أفراحنا وحتى مآتمنا تعج
بالجيران والأصحاب من كل حدب وصوب نتقاسم
سوياً الفرح ونواسي بعضنا عند حدوث المصائب.قد
تكون عاداتنا وتقاليدنا قاسية بعض الشيء في
طقوسها ولاتمد ديننا وسنة رسولنا الكريم لا من
قريب ولامن بعيد كاللطم وشق الثياب وزيارة
أضرحة الأولياء الصالحين وتمسك بمعتقدات
الدراويش وتصديق التاكزة وقارئات الفنجان
والكف.وبهذا كله يبقى ماضينا حافل بالأشياء
الجميلة المضئية والمشرقة والتى قلما نجدها
اليوم.
هل لنا أن نصحح مسارنا الشائك والذي يلفه
ويكتنفه الغموض؟ أو نسترد ماضينا بالحكايات
الساخبة والمللة ونحن نتبادل أطراف الأهواء في
جلساتنا الروتينية.نحن نحتاج لترسيم حدود
أفكارنا والسيطرة على عقولنا المتطفلة والتي
تشوبها المرادفات والمصطلحات الدخيلة بلغة
اليوم(التطور الحضاري).
نحتاج للتطوير من ذاتنا والإبتعاد عن الشرذمة
والأنانية والسلطوية المجحفة والإهتمام
والرعاية الكاملة وتقديم الدعم المعنوي
والمادي لكافة الجمعيات الخيرية المهتمة بشئون
الموروثات والتي أصبحت متآكلة وهي تئن بصوت
خافت لامؤنس لها سوى المتطوعين القلة الذين
يبذلون الغالي والرخيص لإسترجاع هيبتها
ومكانتها الطبيعية.
وسنظل نردد حكمتنا الرائدة(إن الذين لايتذكرون
الماضي عليهم أن يجربوه مرة أخرى) ليستيقظ
أطفالنافي يوماً ماعلى صيحاتنا ونحن نمارس
ألعابنا الشعبية(السيزةوشد الحبل).