ثمة
أشياء نفتقدها ولانعرف قيمتها وجوهرها إلا بعد
حين.. كثيرة هي تلك الكنوز المضئية اللأمعة
التي تشع بريقاً وتضفي لهذه الحياة بهاءً
وجمالاً..
نصمت برهة أمام القضاء والقدر بالأهات وسيل
الدموع.. هكذا هي الحياة تدق الأجراس لتخطف
أحبابنا وأصدقائنا دون سبق إنذار أو بطاقة
إنتظار وموعد متفق عليه لتبقى فقط الذكريات هي
القاسم الوحيد في أذهاننا.
وها نحن نودع إحدى المبدعين الذين جالوا
وصالوا في البلاد بإبداعاتهم الثقافية
المحفوفة بالعطاء الحقيقي.
فالمتتبع للسيرة العطرة لهذا المبدع من خلال
حياته البسيطة المجردة من التعقيدات وكتاباته
المتنوعة سيدرك حتماً بأنه أسطورة إبداعية ليس
من السهل صناعتها مجدداً في ظل هذا التخبط
الواضح الذي تتعايشه ثقافتنا اليوم.
إن ماوهبه أديبنا الراحل د. خليفة محمد
التليسي للمكتبة اللليبية والعربية والعالمية
يُعد مفخرة ووسام يعتز به كل ليبي مدرك لمعاني
الوفاء والعطاء اللأمحدود للثقافة.
فلم يكن يوماً بخيلاً بأفكاره وأرائه
وإطروحاته فقد نقل جل إبداعاته للقاريء لتذوق
مفرداتها بكل موضوعية.
فقد قدم للمكتبة الليبية مراجع في غاية
الأهمية للمنشغلين في تاريخ هذا الوطن من خلال
ترجمته للعديد من الكتب التاريخية ولعل أبرزها
(طرابلس تحت الحكم الأسبان- ليبيا أثناء الحكم
العثماني- ليبيا منذ الفتح العربي- برقة
الخضراء- مذكرات جيولتي) ومعجم معارك الجهاد
الليبي وبعد القرضابية وغيرها من الكتب
التاريخية وسرد من خلال كتابه معجم سكان ليبيا
وسكان ليبيا (الجزء الخاص ببرقة) الذي أثار
الكثير من الجدل حوله ولكن الحقيقة الغائبة
لدى معظم الليبين إن أستاذنا المرحوم لم يسرد
تلك الحقائق من شتات أفكاره بل ترجمه من
المصادر الكتب الإيطالية .
وللأدب والشعر العربي مكانة خاصة لدي مبدعنا
الراحل فقد نشر العديد من كتب الأدبية في هذا
الشأن (مختارات خليفة التليسي في خمسة أجزاء-
وقف عليه الحب- شاعر القرية- وجوه الملامح-
قدر المواهب- كراسات أدبية- قصيدة البيت
الواحد- الأعمال الشعرية الكاملة للوركا- هكذا
غنى طاغور- قصائد من نيرودا) وللقصة إيضاً
شكلت جزءاً كبيراً من حياته ( قصص إيطالية-
صوت في الظلام- زخارف قديمة-حكاية مدينة) وترك
بصماته الواضحة في إختيارته للعديد من
القواميس والمعاجم لتكون بالتالي خير زاد
لعاشقي اللغة ( قاموس التليسي إيطالي عربي-
النفيس) ومن كتبه الذي ذاع صيتها وتركت أثارها
على النفوس ( الشابي وجبران- رفيق شاعر الوطن)
وقصيدته وقف عليه الحب التي تراقصت لها القلوب
على وقع أنفاسه الطاهرة.
ولعلي عندما سردت جزءاً من سيرته العطرة والتي
بالتأكيد لم أعطيها حقها الطبيعي بحكم درايتي
بأنه يمثل تاريخاً في ذاته وليس مبالغة أو
مجاملة من شخصي لأنني متيقناً بأن العديد
يشاطرني الرأي في ذلك.
ولكن في حقيقية الأمروالسؤال الذي يراودني هل
تتأهب مؤسسات الدولة وأخص بالذكر
مجلس الثقافة العام بالجماهيرية العظمى
بالأهتمام بإصدارات ومطبوعات والمخطوطات التي
لم يتم نشرها وتتولى بتالي إعادة طبعهاأم يظل
أسمه محفوراً في الأعماق فقط كغيره من
المبدعين والمؤرخين الذين وهبوا كل مالديهم من
عطاء وإخلاص صادق فكانت الوعود دوماً هي
السائدة .وهذه حقيقة تجرني للخلف في ذكرى
مهرجان إحياء الأربعينية(2-5-1430ف) للمؤرخ
الأديب الراحل الأستاذ محمد مصطفى بازامة حيث
أكدت رابطة الأدباء والكتاب بشعبية بنغازي
والأمانة العامة للرابطة ومجمع اللغة العربية
بالجماهيرية العظمى على جملة من التوصيات
أبرزها دعوة المؤتمر الشعب العام لإدراج
المرحوم من ضمن المكرمين في عيد الوفاء ودعوة
اللجنة الشعبية بشعبية بنغازي بتسمية إحد
الشوارع أومدارسها بإسم الفقيد ودعوة قسم
التاريخ بجامعة قاريونس بتسمية إحد مدرجاتها
بإسمه ودعوة دار الجماهيرية للنشر وأمانة
الإعلام والثقافة ومجمع اللغة العربية
للإهتمام بمخطوطات المؤرخ والعمل على نشرها
بإعادة طبع مؤلفاته وكذلك دعوة الجهات المختصة
لإصدار طابع بريد تذكاري للفقيد.
ولكن الطامة الكبرى كان هذا كله كلامياً ليس
إلا لتخفيف وطاة المعاناة والأسى.
وفي فترة ليست ببعيدة توفي إبنه بمرض عضال (
داء الكبدي) ولم تولي إدارة مجلس الثقافة
العام أي إهتمام بالخصوص وكأن والده لم يثري
للمكتبة الليبية في يوماً ما أي جديد ومفيد.
وتوالت المصائب والفجائع لعدم تكريم عائلته في
الحفل الذي أقيم مؤخراً بشعبية الواحات بتاريخ
5-11-2009ف والذي تم من خلالها توزيع الجوائز
وشهائد التقديرية لأشخاص لم تقدم الشيء
المستحق لشعبية الواحات وسقط سهواً من قبل
الأخ أمين المؤتمر الشعبي لشعبية الواحات (صدق
أو لم تصدق).
والأهم حالياً و ماأريد طرحه بحيث لا نقع في
المحظور مجدداً هو تسمية إحدي الشوارع
أوالمدارس أوالمكتبات الثقافية بإسمه وإصدار
كتيب للتعريف بشخصه وإعادة طباعة كتبه
وإصدارته للأديب الراحل( خليفة محمد التليسي)
حتى لا يتسنى للغير المحدقين بنا هنا وهناك
للسخرية بنا و بالتالي لن ترحمنا الأجيال
القادمة بالتأكيد لمثل تلك الهفوات والأخطاء
الفادحة.
بقلــــم أ . أحمد محمد بازامـــا
منسق الشباب و العمل التطوعـي
بجمعيـة الهلال الأحمـــر الليبي فرع جـالـو