• الرئيسية • اخبار • مواضيع علمية • مواضيع ادبية • البوم الصور • روابط مختارة • سجل الزوار • المنتدى •

الليبيون في دارفور: هجرة منسية «1»

للصحفي: المتوكل محمد موسى

المصدر جريدة الصحافة السودانية

 

الذين كتبوا تاريخ دارفور لم يتطرقوا الى الحديث عن الهجرات الليبية التي وصلت الى اقليم دارفور في غرب السودان، حدث هذا رغم ان المهاجرين الليبيين قد لعبوا ادواراً مهمة في الحياة هناك، اقتصادياً واجتماعياً ودينياً وسياسياً، فضلاً عن ان الهجرة الليبية الى دارفور تكتسب الاهمية لجهة أنها هجرة تمت في زمن قريب ومن مكان معروف.. مما يُسهل عملية تعقبها والاستيثاق منها بصورة دقيقة تشبع حاجات الباحثين والدارسين، الامر الذي يقطع الطريق أمام عقدة الروايات المتضاربة والمتعارضة، وعدم اليقين عند إعادة كتابة تاريخ دارفور.. خاصة وان الجيل الاول للمهاجرين مازال بعضهم أحياء يرزقون. هذه محاولة للكتابة عن هؤلاء النفر الطيب من الاهل الذين وفدوا الى دارفور في فترة معينة، يمكن تحديدها بالتقريب في بداية الالفية الثانية (1900م-1925م).. قد يقل زمن حضورهم أو يزيد من هذا التحديد.. إلا أن الأهم من هذا أن تكون هذه المحاولة المتواضعة حاضة للآخرين من المهتمين لإلقاء المزيد من الضوء على هذه الهجرة.. والكتابة عن ما يعرفونه عنها حتى تتبلور رؤى واضحة ومقروءة عنها، ومما يضاعف أهمية استكناه معالم هذه الهجرة، هذه الاحداث التي تدور في اقليم دارفور الآن، ليعلم القارئ أن استهمام الإدارة الليبية بما يدور في الاقليم السوداني المجاور لها، له جذر ضارب في التاريخ.


الظروف التي ادت الى هجرة الليبيين الى دارفور، أملتها عوامل كثيرة، لكن أهمها إطلاقاً هى دواعي التجارة والرعي، وهناك أسباب أخرى تتعلق بالنضال ضد المستعمر الايطالي، والذي خاضه الليبيون بقيادة الشيخ المجاهد سيدي عمر المختار.. لقد عُرف الليبيون بضراوة مقاومتهم للاستعمار الايطالي الذي كان قد داخ من حمأة ضربات المجاهدين الموجعة، فحشد آلياته العسكرية وجنده وسبب ضغطاً رهيباً على الشعب الليبي ومجاهديه محاولاً قمع الثورة. فلما ألقت القبض على الشيخ عمر حكمت عليه بالاعدام وحثت في مطاردة اتباعه.. فاضطروا تحت ذلك الضغط الى الهجرة نحو الدول المجاورة، فكان السودان من نصيب وجهة البعض منهم.. وقد سبق هؤلاء في الهجرة إلى دارفور، الباحثون عن دعم لثورة المجاهدين في ليبيا.


تمت هجرة الليبيين على نسقين الاول جماعي، والآخر فردي، ولعل اشهر الهجرات الجماعية تلك التي تمت في عهد السلطان علي دينار في دارفور، فقد ذكرت لي الحاجة غالية ابو عقيلة الشيباني، وهى من الجيل الاول من مواليد المهاجرين الليبيين الذين ولدوا في دارفور، عن هجرة آبائها وأجدادها، بأنهم جاءوا الى دارفور في أيام حكم السلطان على دينار في مجموعات كبيرة من الناس وقد استضافهم السلطان وأنزلهم في منطقة جديد السيل شمال مدينة الفاشر عاصمة السلطنة، فذبح لهم الذبائح واحضر لهم القدور الكبيرة ليطهوا الطعام إكراماً لوفادة ضيوف الاقليم.. وقد اكدت لي ان تلك المجموعات كانت كثيرة العدد والاسر، ولكنها لم تذكر لي كم من عددهم تحديداً، ولكنها اخبرتني انه وبعد ان استقر بهم المقام في ضيافة السلطان. واصل عدد منهم هجرته نحو دولة تشاد وافريقيا الوسطى والنيجر والكاميرون، وآخرون قد طاب لهم المقام في دارفور فأقاموا.


إن أشهر القبائل الليبية التي وفدت الى دارفور في هذه الهجرة التي نحن بصدد الحديث عنها، هى قبائل الفرجان، والمجابرة، والورفلة، والزوية، والقدادفة، والفواخر، والعريبات، والمغاربة، والطوابين، والتراهنة، وأولاد جابر. ورغم هذا العدد المقدر من القبائل التي هاجرت الى دارفور في زمن متقارب، إلا ان هؤلاء الليبيين يعرفون في الاقليم باسم الفيزان دون تمييز او ذكر للقبائل المذكورة آنفاً، فقد نسب اهل دارفور هؤلاء الليبيين الى منطقة فزان في ليبيا ولم نعرف السبب الذي دعا اهل دارفور لتمييزهم بمنطقة فزان، وسنترك استجلاء هذا الامر الى مقالة اخرى بإذن الله، ولكن الجدير بالذكر، انه يكاد ألا تجد أحداً من أهل دارفور يعلم تفصيلاً للقبائل التي ينتمي لها هؤلاء الفيزان.. وربما يعود هذا الى تماسك المهاجرين وظهورهم أمام المجتمع الدارفوري كوحدة متجانسة.. ولكنهم على صعيدهم الشخصي يحتفظون بتعريفهم القبلي ومناطقهم التي وفدوا منها في ليبيا الأم.


عندما زرت ليبيا في العام 1991م، سألت احد الليبيين، وهو الشيخ سليمان بداد وهو ابن عم الاخوين المهاجرين مبروك وعمر عبد القادر الى دارفور.. سألته عن معلوماته عن هجرة الليبيين الى السودان، فأجابني انهم وبالاضافة الى هجرة ابني عمه ورفقائهم، هناك هجرات اخرى قد تمت بصورة جماعية من بعض القبائل الرعوية طلباً للمرعى والكلأ، وأن المنطقة الصحراوية بين السودان وليبيا، التي كانت غنية بالمراعي وقد جذبتهم للرعي فيها، قبل ان تزحف عوامل التصحر نحوها، فتحيلها الى ارض يباب كما هو الحال عليه الآن، ثم اخبرني عن فرعين من قبيلة الورفلة واولاد جابر قد آثرا، وبعد عدة رحلات رعوية البقاء في السودان واندمجاً في بعض قبائل كردفان في المنطقة التي تجاور حدود دارفور من الصحراء الليبية السودانية.


قبل أن نتحدث عن مساهمات المهاجرين الليبيين في دارفور، سنشير الى بعض من اشهر الاسر الليبية الموجودة الآن في دارفور..
فعلى سبيل المثال نذكر آل ابو صفيطة، وآل السنوسي النفار، وآل ابو عقيلة الشيباني، وآل مفتاح معيقل، وآل عبد القادر خليفة، وآل الغدامسي ، وآل بوشناف، وآل رحيل، وآل الشتيوي، والطوابين. وقد توزَّع هؤلاء في مدن دارفور الكبرى وآخرون اتخذوا من الخرطوم مقراً لهم ولأعمالهم التجارية.


لقد أسهم الليبيون في إثراء الحياة العامة في مختلف المجالات، فبعضهم كان ينشط في مجال الاقتصاد، وقد اغنوا النشاط التجاري في اقليم دارفور مثل آل ابو صفيطة والاخوين مبروك وعمر عبد القادر اللذين نشطا في مجال التجارة الحدودية بين ليبيا والسودان، وكان لآل النفار نشاط عظيم في مجال التجارة في منطقة غرب دارفور، بيد ان مساهمتهم كانت اعظم في المجال السياسي في سلطنة دار مساليت بغرب دارفور، فقد كان السيد الحاج السنوسي النفار صديقاً ومستشاراً للسلطان بحر الدين محمد بحر الدين، وقد ترأس وفد السلطنة في المفاوضات التي جرت بين سلطنة دار مساليت من جهة، وكل من دولة انجلترا ودولة فرنسا من جهة اخرى.. وقد شارك بصورة فاعلة في ترسيم الحدود التشادية، ويرجع الفضل في زراعة فاكهة المانجو في غرب دارفور للحاج السنوسي النفار، وقد ذكر بانه جلبها معه من احدى سفرياته الى اقاصي غرب افريقيا.. ايضاً نشاط آل جويلي في غرب دارفور وآل مفتاح معيقل في جنوب دارفور.. كما نشط آل القدامسي وآل سيدي التواتي في مجال الدعوة الاسلامية وتدريس الفقه والتجويد، وقد تم انشاء خلوة وزاوية لهذه الاغراض الدعوية، ثم بنوا مسجداً يعرف الآن بجامع الفيزان، كما تم انشاء معهد ديني ملحق بالمسجد لتدريس علوم القرآن، وخلوة لتخريج حفظة القرآن الكريم من الكبار والصغار، وما زالت مساهماتهم مستمرة في باقي مناحي الحياة، فنجد في هذه الساعة الآن ان الحاج منصور ابو صفيطة والسيد الريفي محمد صالح والسيد مفتاح ابو عقيلة الشيباني ينشطون في مجتمع مدينة الفاشر ويسهمون بأموالهم واوقاتهم في الحياة العامة وغيرها.. وكذلك نجد ان معيقل مفتاح معيقل في مدينة نيالا يُعد من رجالات التعليم وقادة العمل السياسي فيها.


لقد تحدثت في مطلع هذا المقال عن ان احد الاسباب التي حدت ببعض الليبيين للهجرة الى دارفور، هو البحث عن دعم للمجاهدين بقيادة سيدي عمر المختار، لإعانتهم في حربهم ضد الاستعمار الإيطالي الذي كان يجثم آنذاك فوق صدر دولة ليبيا.. وقد كان هذا الدعم يترى باستمرار من دارفور الى ليبيا طيلة ايام الثورة قبل ان تُقمع بواسطة الطليان.. واذكر في هذا الصدد ان السيد احمد محمد خير ابو صفيطة قد سلمني صورة من وثيقة تاريخية، كان قد كتبها شيخ المجاهدين عمر المختار في شكل رسالة موجهة للشيخ محمد طاهر ابو صفيطة، يخبره فيها بان الدعم والمساعدات قد وصلت الى المجاهدين وقد سلمها لهم سيدي التواتي.. وكانت عبارة عن جنيهات من الذهب وقِرْب لحمل الماء «القرب بكسر القاف وتسكين الراء هي مستودعات يحمل فيها الماء وتصنع من جلود الاغنام»، وفي الوثيقة هناك ايضاً وصف للمعارك التي خاضها المجاهدون ضد المستعمر وفيها ايضاً ايراد شكر للاخوة المتبرعين في دارفور.. وقد اخبرني ايضاً ان هناك المزيد من الوثائق بحوزة الاسرة في مدينة الفاشر.. ايضاً اخبرني آل النفار بأنهم يملكون العديد من الوثائق التاريخية التي تتضمن رسائل متبادلة بين شيخ المجاهدين عمر المختار وعميد آل النفار في منطقة غرب دارفور.. والجدير بالذكر هنا.. ان تلك المساعدات التي كانت ترسل الى ليبيا قد أسهم فيها ايضاً اهل دارفور وخاصة التجار منهم.


بعد تفجر ثورة الفاتح من سبتمبر في العام 1969م.. سعى العقيد معمر القذافي لتوفير فرصة الليبيين الذين هجرتهم ظروف ليبيا ايام الاستعمار كيما يعودوا الى وطنهم الأم، ففي العام 1970م ارسل الطائرات الى دارفور لنقل الذين يرغبون في العودة الى ليبيا، فعاد البعض وآثر البعض الآخر البقاء في دارفور.. لا شك ان هؤلاء يشكلون بعداً حميمياً للعلاقات السودانية الليبية، وتؤكد هجرتهم هذه مدى التأثير المتبادل بين ليبيا ودارفور في الماضي والحاضر «ثورة المجاهدين سابقاً، وازمة دارفور حالياً»، فلا غرو إن وجدت ازمة دارفور كل هذا الإهتمام في دوائر الحكم في الجماهيرية الليبية.
 

سجل دخولك و علق على الموضوع

 



روابط على موقعنا

 

 

 

جالو ليبيا
اخر تحديث: 09/12/2010م.