يقال بأن لكل
مثل حكاية ولكل واقعة وحادثة منشأ ولكل أصل
جذور فعندما
تسترق السمع
لبعض الروايات المتضاربة بين الفنية والأخرى
في مجالس الكبار تأخذك نفسك الهائمة للبحث
والغوص أكثر للإبحار في أعماق هـــذه الروايات
لمعرفة المزيد من الحقائق العالقة والوقائع
التي تكتنفهــــــــــــا.
فعندما
تسردها كما هي بالتأكيد إنك تخوض سباقاً
طويلاً مع الزمن لإبراز بعض من سجلاته المطوية
والمندثرة والتي لم تكشفها لك الأيام من قبل
إلا من خلال الحكايات والأحاديث في الجلسات
الروتينية المعتادة.
مادفعنا لنبش
مثل تلك الحقائق والتحري بوجه السرعة ليس
لغاية في نفوسنا بل محاولة منا لترك آثارها
محفورة في ذهن المرء وللأجيال القادمة.
فعندما ترى
بأم عيناك بعض السلبيات فيكون لزاماً عليك أن
تصحح جزءاً من تلك المفاهيم وخاصة إذا كان
يتعلق ذلك بالتضحية من أجل الوطن..
فالتضحية
بالنفس ليست بالأمر الهين كمايعتقد البعض.
فعلى كل مرء
الدفاع عن الوطن وحمايته وتقديم كل مالديه
لضمان العيش برخاء وسلام وطمأنينة ورغد
وبالمقابل فإنه من الإجحاف طمس الحقائق
التاريخية للمرء وإندثار سجله الحافل
بالبطولات بين أكداس الأوراق ولايُذكر إلافي
الجلسات المغلقة تتداول من خلاله سيرته
العطرة.
فكان لزاماً
مني أن أبحث وفي رحلة جادة وشاقة لأقف على
مسرح الحدث لأسترجاع بعض من الحقائق والتى ظلت
غائبة أو بالأحرى لايدركها أبناء جيلي متيقناً
بإنها
 |
الرحالة المصري أحمد محمد حسنين باشا
1923 بجالو |
ستظل سجلاً
للأجيال القادمة.
فهذا نابليون
الأول يتطرق لمعاني التضحية من أجل الوطن وعدم
خيانته قائلاً في هذا الشأن:-
مثل الذي باع
بلاده وخان وطنه مثل الذي يسرق من مال أبيه
ليطعم اللصوص فلا أبوه يسامحه ولااللص يكافئه.
وفي شأن أخر(
في أحد المعارك تقدم ضابط نمساوي من نابليون
وأعطاه معلومات أعانته على كسب المعركة التي
يخضوها ولما جاء يتاقضى الثمن رمى له صرة من
الذهب على الأرض فقال النمساوي لكنني أريد أن
أحظي بشرف مصافحة الأمبراطور فأجاب نابليون :-
هذا الذهب لأمثالك أما يدي فلاتصافح رجلاً خان
وطنه).
فيقال في
المثل الهنغاري بالخصوص( جميل أن يموت الإنسان
من أجل الوطن وأجمل منه أن يعيش لأجله).
فعائلة فرحات
عبدالرحمن فرحات المجبري تعد نموذجاً حقيقياً
للمعأناة الذي لاقته من الإستعمار الإيطالي
أبان إحتلاله لليبيا.
فرب الأسرة
الشيخ فرحات عبدالرحمن كان تاجراً وشيخاً من
أعيان قبيلة المجابرة وقد أشاد به
الرحالة المصري أحمد محمد حسنين باشا
في كتابه (في صحراء ليبيا) عندما زار واحة
جالو سنة 1923ف مشيداً على الكرم والضيافة
الذي حظي بها من قبل الشيخ فرحات عبدالرحمن
فرحات.
 |
 |
الحاج
عبدالرحمن فرحات |
الحاج على
فرحات |
فقد وهب
شيخنا كل مالديه من مال وزاد وأبناء لتزويد
حركة الجهاد البطولية ضد الإستعمار الإيطالي.
وجراء تواصله
مع تلك الحركة ماكان من المستعمر إلا أن زج به
هو وأسرته في معتقل العقيلـــة سنة 1929ف
والمتكونة من زوجته(قليدة حمد إفريطيس)
وأبنائه( محمد علي- علي-
عقيلة- عبدالرحمن)
وبناته(سالمة- تبرة- مبروكة) وإبنة عمه حواء
عثمان فرحات.
ففي رحلة
قاسية ومريرة من واحة جالو للمعتقل والتي ضيق
فيها المستعمر حال العائلة فكان زادهم خلالها
أربعة كيلو من البصل وخمسة كيلو من الخبز
وقليل من الماء الغير صالح للشرب والإستهلاك
وتعرضت فيها مزارعهم وممتلكاتهم جراء الإعتقال
للتلف والإهمال والضياع ونتيجة للحالة
المأساوية والمعانأة الحقيقية في معتقل
العقيلة من تفشي للأمراض المختلفة وسوء
التغذية والمعاملة القاسية والظروف الصعبة
التي مر بها جميع المعتقلين فعلى إثرها توفي
إبنه محمد علي وجميع النساء ( الزوجة وبنات
الثلاثة وإبن عمته حواء عثمان في المعتقل).
تم نقل الشيخ
فرحات من معتقل العقيلة إلي معتقل بنينة بعد
مكوثه فيه لفترة أسبوعين ظناً من المستعمر
بطريقته هذه سوف تلين نفسه وعزيمته الباسلة.
وأُجبر كغيره
من أبناء ليبيا لحضور مأساة إعدام شيخ الشهداء
عمر المختار بمدينة سلوق سنة 1931ف.
لعل من أهم
الأسباب التي أدت بتنكيل بعائلة فرحات
عبدالرحمن فرحات وأسرته داخل المعتقلات أبرزها
تقديمه المتواصل للمال والزاد للحركة الجهادية
البطولية ضد المستعمر وأُسند مهام لبعض أبنائه
للإنخراط في حركة الجهاد فأبنه
صالح قيل بأنه
باع بعيره لشراء بندقية وبالتالي الأنخراط في
حركة الجهاد فقد كان من المقربين للمجاهد عمر
المختار وخاض معه تسعة معارك وحتى بعد إحتلال
الإستعمار للتراب الليبية ظل المستعمر يطالب
به حياً أو ميتاً وماكان منه إلا الإنتقال
والهجرة بين تشاد ومصر ورجوع للوطن بعد فترة
من دحر المستعمر من تراب الوطن وأبنه
الأخرفضيل وأبن عمه إمحمد عثمان فرحات كان لهم
دور بارز مع دور عائلة العبار( المجاهد
عبدالحميد العبار) وفرج الله الذي أشترك في
معركتـــــي ( بئر بلال والكيروانة).
 |
صورة للمجاهد صالح فرحات
نتمنى من عائلة فرحات تزويدنا
بصورة اكثر وضوحا |
إن زوجة
شيخنا فرحات (قليدة حمد إفريطيس) تنتسب لعائلة
عريقة من قبائل المجابرة وأبناء عمومتها
(ابناء إفريطيس) من العائلات المعروفة
بالتجارة وقد قدموا الكثير من المال والزاد
لحركة الجهاد فقد تم تنكيل بهم وجزهم وراء
الأسلاك الشائكة في معتقل العقيلة (شحات
عيســـــــــــــــى إفريطيس-علي عيسى
إفريطيس-موسى عيسى إفريطيس- إسعيدة عيسى
إفريطيس)..
والمجاهد
عبدالله إفريطيس من الذين بلوا بلاء حسناً في
معركـــــــــــــــــة القرضابية ونال
الشهادة فيها.
وأبناء جابر
إفريطيس الثلاثة الذين خاضوا العديد من
المعارك الجهاديــــة ضد الإستعمار الفرنسي
والإيطالي ونالوا جميعهم الشهادة.
فبرغم
ماقدمته هذه العائلة الوفية من مال وأبناء من
أجل الوطن الا يستحق منا تكريم تلك العائلة
الفاضلة حتى إطلاق حي سكني أو مؤسسة تعليمية
أومدرج بأحد الكليات بفرع جامعة قاريونس
الواحات على ماقدموه من تضحية نبيلة وإخلاص
حقيقي للوطن.
أ.أحمد محمد بازامة
منسق الشباب والعمل التطوعي
بجمعية الهلال الأحمر الليبي.فرع جالو