• الرئيسية • اخبار • مواضيع علمية • مواضيع ادبية • البوم الصور • روابط مختارة • سجل الزوار • المنتدى •

الليبيون فى تشاد .. هجرة منسية 1-2

للصحفي: المتوكل محمد موسى

 

قبل نحو عامين، كنت قد كتبت عدة مقالات متسلسلة بإسم الليبيون فى دارفور: هجرة منسية، قصدت منها تسليط بعض الضوء على هذا الموضوع المنسى من قبل الباحثين فى مجال التاريخ وقد ساعدتنى معرفتى بهولاء المهاجرين فى كتابة هذه المقالات .. وقد طلبت من المهتمين بدراسة تاريخ السودان ومن غيرهم الإستجابة لهذا الطلب حتى نستطيع أن ندرج من أخبار هؤلاء النفر من الأهل ما سقط سهواً أو عمداً بسجل تاريخ  بلادنا، بل إن دراسة مثل هذا التاريخ قد تفيد كثيراً فى فهم وتفسير بعض الأحداث التى تدور الآن فى المنطقة أو تلك التى ستدور فى المستقبل .. فضلاً عن إرفاد الدارسين فى مجالات العلوم الإنسانية والحراك السكانى بالمعلومات عن بلاد السودان الغربى التى من المُمكن أن تُعينهم فى أبحاثهم ودراساتهم .. لقد إستجاب لطلبى هذا عددٌ من المُهتمين فى هذا المجال من هؤلاء القائمين على أمر موقع واحة جالو الإلكترونى .. أفرد اليوم الفرصة لأحد المشاركين فى الموقع لنشر مساهمته والتى تمثلت فى الكتابة عن هجرة الليبيين إلى تشاد .. ولما كانت تشاد إمتداد طبيعى لدارفور والعكس صحيح فقد آثرت الإستعانة بموقع واحة جالو الإلكترونى فى نشر هذا المقال، وأنتهز الفرصة لأتقدم للقائمين على أمر الموقع بالشكر لنشرهم سلسلة المقالات التى كتبتها عن الليبيين فى دارفور وعلى ثنائهم على ماكتبت وعلى تعميم نشرها على قراء موقعهم، والتحية موصولة للدكتور فرج عبد العزيز نجم كاتب جزئية هجرة الليبيين إلى تشاد.

 

الهجرة إلى تشاد: أما تشاد فكانت خياراً أخر للقبائل الليبية التي فضلت الإتجاه جنوباً صوب بلاد السودان نظراً لتوفر المياه والمراعى الخصبة وكذلك لقرب مناخها من المناخ الليبي، ولكن الأهم هو عدم وصول حكَّام طرابلس إليها بسهولة وضعف حكوماتها المركزية المتمثلة في سلاطينها .. بدأت هذه الهجرات بصورة جماعية بعد إنتكاسة ثورة عبد الجليل سيف النصر التي إنتهت بهزيمته وقتله سنة 1842م فتشتت القبائل التي كانت تقاتل جنباً إلى جنب مع قبيلته من أولاد سليمان وحلفائهم من المناصير، فهاجر من ليبيا إلى تشاد العديد من تلك القبائل وكان في مقدمتهم أولاد سليمان وورفلة والمغاربة "وخاصة بيت الرعيضات" الحساونة وبعض المرابطين مثل القذاذفة وإستقر معظمهم في منطقة كانم قرب بحيرة تشاد.

 

 وتفاعلت هذه القبائل مع بقية شرائح المجتمع التشادي فإنصهر جميعهم في بوتقة الإسلام، وحدث بينهم كثير من التزاوج، وتلاقح مع بعضهم البعض دينياً وثقافياً وفكرياً، فإعتنق معظم التشاديين الدين الإسلامي على مذهب الإمام مالك، بإستثناء بعض قبائل السارا الوثنية التي إنتشرت بينها الكاثوليكية على يد المستعمر الفرنسي فيما بعد، ولكن إحتلت اللغة العربية مكاناً هاماً وإنتشرت، فأصبحت لغة التداول والتعليم بين الناس، ومن مظاهر ذاك الإستقرار تحالف أوائل المهاجرين من قبيلة أولاد سليمان مع قبائل الكاديوا التشادية وسرعان ما تكرس وجود القبائل الليبية وإستقلت وإعتمدت على قوة رجالها ونفوذهم حتى أصبحت في حل من تحالفات كهذه، وبلغ التأثير العربي الإسلامي مداه حتى تسمى كثير من المدن والمناطق بأسماء عربية مثل أم زوير وبحر سلامات وبئر علالي ووادى غندور ووادى حداد وبحر غزال وغيرها.

 

 وهذا التكتل القبلي الليبي في بحيرة تشاد جعل منهم قوة أراد سلاطين كانم ووداى خطب ودهم، وتجنيدهم لخدمة سلطناتهم لما في هؤلاء البدو من شدة وقوة بأس، فلجأ إليهم الشيخ عمر بن محمد الأمين الكانمي (1835-1880م) زعيم برنو وعقد حلفاً مع هذه القبائل لزجر منافسه سلطان وداى (1858-1874م) وردعه إذا ما سولت له نفسه بتهديد تجارة برنو، وحصل رجال القبائل بمقتضى ذلك على السلاح والعتاد، وبالفعل نجح هؤلاء البدو في إنزال سلطان وداى عند رغباتهم، فأُعُترف لهم بالسيادة على إقليم كانم، وأراد سلطان وداى أن يستميل القبائل الليبية حتى تقطع تلك التحالفات التي ربطتها مع غريمه، وتنضم لخدمته وذلك بإغراءات شتى ولكنه لم ينجح، وإستمرت هذه القبائل في صولتها في منطقة كانم حتى حملة العقيد جولون الفرنسية الإستعمارية سنة 1899م فوقفت هذه القبائل في وجه الغزاة وكونت حلفاً مع قبائل الطوارق والقرعان مما أبطئ التحرك الفرنسي داخل تشاد.

 

 ومن المواقف التي يذكرها التاريخ بتقدير وإجلال وقفة الشيخ الشهيد غيث عبد الجليل سيف النصر في وجه المد المسيحي الفرنسي فيما عرف بحرب الأنصار في تشاد، وهو سليل بيت قيادة عرفت بين قبائل ليبيا بإستعداديتها وقدرتها العالية على القتال، ولهم إسهامات في الحروب تفوق ما لغيرهم، وكان جده من رجال وأبناء عمومة الشيخ عبد الجليل سيف النصر الذي بعثه يوسف باشا القرمانلي لنجدة الشيخ محمد أمين الكانمي في كانم سنة (1826م/1242ﻫ) ويُقال إن الشيخ الكانمي أصوله من منطقة تراغن بفزان وكان من أجلاء العلماء الذين إنتقلوا إلى كانم لنشر دعوة الإسلام بين أهلها، وبعد أن مكن له أقام مملكة توارثها من بعده أبناؤه دام ظلها قرابة ثمانية عقود، وبعد رجوع الشيخ عبد الجليل من كانم ظافراً غانماً إستفحل أمره وثار على الباشا في ثورته المشهورة التي ساهمت في الإطاحة بالدولة القرمانلية بعد إستيلائه على أراضٍ شاسعة من طرابلس ومعظم فزان حيث حوصرت الحكومة في الساحل والمنشية وما قاربها، ولكن بعد زوال حكم القرمانليين وإدارة ليبيا مباشرة من إسطنبول إستطاع الأتراك الظفر به في معركة القارة بوادى سوفجين بأرض قبيلة ورفلة، فسقط قتيلاً هو ومن معه في تلك الفتنة بين الأتراك والقبائل سنة (1842م/1258ﻫ)، ومن ثم حز رأسه وبعث به إلى طرابلس لترعب وترهب الأهالي، والشيخ عبد الجليل هو صاحب المخلاة الشهيرة "مخلاة عبد الجليل" التي أصبحت مثلاً في ليبيا للتنكيل بكل من يخالف الوعود وينكث العهود.

 

 

المتوكل محمد موسي                                      

حررت: 06-07-2008                                     

 Almotwakel_m@yahoo.com                           
 


سجل دخولك و علق على الموضوع

 

مقالات الكاتب

روابط على موقعنا

 

 

 

كتب ذات علاقة

حمل الكتاب

 

مكتبة صيد الفوائد

 

 

جالو ليبيا
اخر تحديث: 09/12/2010م.