• الرئيسية • اخبار • مواضيع علمية • مواضيع ادبية • البوم الصور • روابط مختارة • سجل الزوار • المنتدى •

التمسك بالقيم الأصيلة

بقلم/ عبدالله جلغاف عبدالله

01 -10 -2010

 

كثيراً ما أتساءل عن سبب غياب بعض المظاهر الاجتماعية الإيجابية التي كانت تميز أهلنا خاصة في القرى والأرياف والتي أكسبت مجتمعاتهم كثيراً من الصفات الحميدة المميزة مقارنة بالمجتمعات الأخرى إذ كان سكان الريف يتصفون بالبساطة في كل شئ وبالصدق والوضوح والعفوية والتمسك بالقيم والعادات النبيلة وتعاليم دينهم الحنيف فلماذا إذاً أصبحت تتآكل أمام تيارات التغيير ألقسري وتداخل المفاهيم.وهل هي ضعيفة إلى هذا الحد أم أن المشكلة تكمن في الجيل الجديد الذي أصبحت تلك القيم قاصرة على تلبية احتياجاته العصرية, وماذا كانت النتيجة؟ أمثلة عديدة يمكن أن أسردها هنا كانت موجودة في مجتمعاتنا القروية القديمة وصارت الآن قصصاً تروى لا أكثر.

 

      فمثلا الابن في الأسر الريفية كان ينمو ويترعرع وفق ضوابط أخلاقيه ودينيه واجتماعيه صارمة وعندما يكبر ويريد أن ينفصل لن يستطيع أن يعيش وحيداً داخل مجتمع متماسك هو أحوج ما يكون إليه لحمايته وبالتالي فهو ملزم بتطبيق السلوك الصحيح الذي يمارسه ذووه وإفراد مجتمعه ويعمل على عدم تجاوزه حتى لا يصبح نشازا وهذا ما يبرر غياب دور رعاية المسنين في مثل هذه المناطق لان الاسره كانت تتكفل برعاية وحماية المسنين والعجزة والمعاقين بل وترى عيبا في تخلي البعض ممن يعيشون في المناطق الحضرية عن القيام بهذا الدور الحيوي أما الآن فان العبء كله يقع على رب الاسره الذي عادةً ما يكافأ في أواخر أيامه بهجر زوجته له وتنكر أبنائه لكل ما قدمه لهم عبر سنين طويلة دون أي شفقه أو رحمه.

 

     لم نسمع أيضا في مجتمعاتنا القديمة عن أسره تتكون من زوج وزوجه وستة عشر طفلاً لا يفصل بين كل واحد منهم سوى عام واحد لان جداتنا وأمهاتنا كنّ يعملن جنبا إلى جنب مع أزواجهن في الحقول وبناء البيوت وإعداد موائد المناسبات وغيرها وعندما تنجب الواحدة منهن فإنها ترضع طفلها عامين كاملين على الأقل قبل أن تحمل بالآخر أي أن الفارق بين الأطفال كان لايقل بأي حال من الأحوال عن ثلاث سنوات وهكذا فإن أقصى ما يمكن للمرأة أن تنجبه في تلك ألازمنه لا يتعدى ست أو سبع أطفال تستطيع الإشراف عليهم ومتابعتهم بجهدها المتواضع.

 

    لم نسمع أيضا في مجتمعاتنا الريفية القديمة عن ظاهره تأخر سن الزواج للجنسين معاً المنتشرة الآن والسبب أن أجدادنا كانوا متمسكين بالشرع الذي يسمح بالتعدد للضرورة وكذلك ببساطة تكاليف الزواج والقناعة بالنصيب والابتعاد عن أسلوب التباهي والتفاخر الذي عادةً ما يكون على حساب إمكانيات الأسرة ذات العلاقة. لقد كان صداق جداتنا وأمهاتنا لا يتجاوز أرطالا قليلة من الفضة وبعض الأمتار من القماش في أقصى الحالات .

 

    ومن الظواهر الأخرى الموجوده حالياً للأسف الشديد نتيجة عدم تنظيم الأكل وقلة الحركة انتشار أمراض العصر كالضغط والسكري وغيرها. هل كان أجدادنا في الأزمة التي عاشوا فيها يعانون من داء السكري أو ضغط الدم أو حصى المرارة أو الفشل الكلوي أو الولادات القيصرية والى غير ذلك من إمراض عصرنا عافانا الله وإياكم منها ومن غيرها .لقد كانوا يستيقظون على التمر والحليب ويتغذون بالفتات والعصيدة ويتناولون عشاءهم بالقليل من أي شئ لا أكثر من ذلك ولا اقل ومع ذلك كانوا يتمتعون بصحة جيدة.

 

    والأمثلة كثيرة إذا أردنا حصرها ولكننا نعجز أحيانا ًعن إيجاد تفسير محدد ومقبول لذلك التغير في كل تلك الظواهر,صحيح أن العالم تغير في كل شئ منذ صعود الإنسان إلى القمر مرورا بالنهضة الصناعية وصولاً إلى عالم الفضائيات وثورة الاتصالات لكنني اعتقد إن هذا التغير هو تغير في الملامح فقط ولم يتعد ذلك إلى الأصل وهذا يعني أن العناصر الأصيلة موجودة في حال تم صقلها بالتربية والتوجيه . مثل تطور الإنسان الذي كلما تقدم في العمر تغيرت ملامحه الخارجية لكن تكوينه العقلي والتربوي والسلوكي يبقى قائماً..وأكيد أن المؤثرات الخارجية الدخيلة لها تأثيرها القاسي على سلوك الأفراد وتداعياتها على المجتمع بأكمله ولكن التاريخ يؤكد لنا دائماً أن المجتمعات والقوميات مهما تداخلت تعود مع مرور الوقت لخاصيتها وأكبر دليل على ذلك أن فرنسا مثلاً لم تستطع فرنسة الجزائر ولم يستطع البيض في جنوب أفريقيا أن يجعلوا السود أوروبيين ولم يستطع الصهاينة أن يهضموا الفلسطينيين كما عجز الأتراك والإيرانيون والعراقيون والسوريون عن تذويب الأكراد في مجتمعاتهم والأمثلة كثيرة إنني أعتقد إن المشكلة تكمن في مدى استعداد الشخص نفسه للتعامل مع السلبيات أكثر من الإيجابيات بطريقة عادية دون أن يقدم مبرراً أو تفسيراً لسلوكه,وهو أمر من وجهة نظري خطير جداً, لأنه في هذه الحالة قد يتفق السلوك العام في مجتمع ما على نهج سلوك اجتماعي خاطئ فيصبح مع الزمن عرفاً تتخطفه الأجيال جيلاً بعد جيل ويؤدي أخيراً إلى أن يفقد هذا المجتمع هويته وبالتالي ضياع الخاصية الحضارية التي يتميز بها عن الغير والتي هي شعاره وعنوانه والبوتقة التي يحمي نفسه فيها ويبدع من خلالها, ومن هذا المنطلق فإنني أدعوا كل شبابنا الذين يمثلون أمل الغد إلى ضرورة التمسك بالقيم والعادات الأصيلة لمجتمعنا النابعة من أصول ديننا الحنيف وأن لا يسمحوا لأنسفهم بالاندفاع وراء الماديات فقط لأنها مظاهر زائلة وأن يتمسكوا أكثر بما هو مفيد من كل جديد وليقلبوا في ثنايا التاريخ ليرتووا من معينه لأنه لا مستقبل لمن لا ماض له.


التمسك بالقيم الأصيلة

بقلم/ عبدالله جلغاف عبدالله

نشرت على قورينا 25-10-2010

 


سجل دخولك و علق على الموضوع

 

مواضيع الكاتب

مواضيع الكاتب على صحيفة الوطن الليبية

روابط على موقعنا

 

 

واحة جالو على الفيس بوك

 

جالو ليبيا
اخر تحديث: 09/12/2010م.