• الرئيسية • اخبار • مواضيع علمية • مواضيع ادبية • البوم الصور • روابط مختارة • سجل الزوار • المنتدى •

الليبيون في دارفور: هجرة منسية «4»

"احد ادلاء الصحراء الشيخ مبروك عبد القادر خليفة"

للصحفي: المتوكل محمد موسى

المصدر جريدة الصحافة السودانية

 

قبل أن نختم سلسلة مقالات هجرة منسية... نود أن نشير إلى نقطتين تتعلق الأولى بالكيفية التي أتاحت لهؤلاء المهاجرين الحصول على معلومات عن دارفور، وهم في ليبيا لم يتخذوا قرار الهجرة بعد... الأمر الذي ساعدهم في اتخاذ قرارٍ نهائي بالهجرة إلى دارفور، لأنهم ما كان لهم أن يغامروا ويتخذوا مثل هذا القرار المصيري وأن يركنوا بالإطمئنان إلى ما حثهم إلى ترك ليبيا أرض آبائهم وأجدادهم والتوجه للإقامة في دارفور بصفة نهائية، سوى المعلومات التي كانت متوفرة لديهم عن دارفور... ومما يُقال في هذا الصدد أن هناك مجموعة صغيرة من التجار الليبيين قد غامرت واتت إلى دارفور في أزمان سابقة، يمارسون مهنة التجارة بين ليبيا ودارفور. وكان من ضمن هؤلاء المستكشفين الأدِّلاء، إن جاز التعبير، هو المهاجر الليبي إلى دارفور مبروك عبد القادر خليفة... الذي سافر في رحلات متعددة بين ليبيا وأفريقيا الوسطى مروراً بدارفور... حتى أصبح خبيراً بأسرار الطريق... وقد تواترت أكثر أخبار دارفور إلى الليبيين في ليبيا عن طريقه، حتى اشتهر بذلك في ربوع ليبيا وفي آخر المطاف قرر المهاجر مبروك عبد القادر إحضار أسرته إلى دارفور والإقامة فيها.
بعد أن استقر بعض الليبيين في مدينة الفاشر في شمال دارفور... واصل المهاجر الليبي
مبروك عبد القادر خليفة وشقيقه عمر رحلتهما إلى ديار البني هلبة في جنوب غرب ولاية جنوب دارفور، وللشيخ مبروك وشقيقه عمر قصة مع قبيلة البني هلبة... فقد كان الشيخ مبروك يخرج في رحلات تجارية من ليبيا إلى دولتي تشاد وأفريقيا الوسطى، وأحياناً أخرى إلى السودان... وقد كانت ديار البني هلبة إحدى محطاته في طريق قافلته التجارية إلى جمهورية أفريقيا الوسطى ولذا وبعد أن وقر رأيه على الاستقرار في السودان... جاء ومكث في مدينة الفاشر ردحاً من الزمان، ثم واصل رحلة هجرته حتى استقر هو وأسرته في حاضرة قبيلة البني هلبة، مدينة عد الغنم، التي عُرفت في عهد الانقاذ باسم عد الفرسان... وكان لاختيار مبروك لديار البني هلبة قصة هي تلك الصداقة التي نشأت بينه وبين ناظر البني هلبة السيد دبَّكة... وقد توطدت علاقته بالناظر إلى الحد الذي تحالفا فيه مع الناظر على كتاب الله العظيم... أن يحمي كل منهما الآخر، مما يحمي منه نفسه وأهله... وقد مكث مبروك في عد الفرسان وأصبح من أهم تجَّارها فأخذ يمارس تجارته الحدودية ويجلب إلى عد الفرسان كل التموين ومعظم البضائع التجارية الأخرى... وبقي هناك هو وشقيقه عمر حتى انتقلا إلى الرفيق الأعلى.. أما باقي أسرته فبقى جزءٌ منهم في السودان وعاد جزءٌ آخر إلى ليبيا.
عندما أسرج الليبيون عيرهم وضربوا أكبادها، راحلين عن أرض أجدادهم وآبائهم ليبيا، أبت تقاليدهم وعاداتهم إلا وأن ترحل معهم، فعبرت الفيافي والمفازات واستقرت حيث طاب لهم المقام، ليشكل تراثهم الراحل معهم، من بعد، ملاذاً وجدانياً مهماً يلجأون إليه كلما هاجهم إستعبارٌ أو مسَّهم طائفٌ من ذكرى وحنين للمضارب والأحبة الذين تركوهم وراءهم، ما كان وما كانوا، ليتجلى كل ذلك في حياتهم الجديدة وفي مناسباتهم خاصة في مناسبات الأفراح... إذاً فلا بأس من إلقاء بعض الضوء على عاداتهم وتقاليدهم، فمثلاً عند استكمال مراسم الزواج... وخاصة عندما يكون الطرفان (أهل العريس وأهل العروس) من المهاجرين... تبدأ الاستعدادات للفرح الكبير... وتقوم احدى الوالدتين بصنع عقدٍ يُسمى عقد «السخَّاب»... لتزيين جيد العروس والعريس... هذا العقد يعادل في تقاليد الزواج في السودان ما يعرف بسبحة «اليسُر»... لكن عقد السخَّاب يُصنع بعد أن يُعجن كل من المحلب والزعفران والشرخدان ثم يضاف إلى العجين عطر الفلوردامور والصندلية ثم يُشكل منها حبيبات العقد في شكل مثلثات صغيرة مثقوبة في وسطها لزوم النظم وإدخال الخيط بعد جفافها، حيث تنظم ومعها حبيبات من الذهب الخالص والمرجان وفصوص الدم، يحتفظ عقد السخَّاب هذا بعطره عشرات السنوات فبعد انتهاء المناسبة... يُوضع في علبة من الحديد تعزله عن الماء والرطوبة.
وعندما تبدأ مراسم الزواج وتلتقي أم العريس وأهلها بأم العروس وأهلها... تبتدر والدة العريس موَّالاً تخاطب به والدة العروس قائلة:

هادا يوم عليها ندوِّر ****** حتى في السيت منوِّر

وترد عليها أم العروس:

هادا يوم عليه نريده ***** والخاطر جلاّد نكيده

ومما يُقال للعروس في يوم زفافها:

عيونها سود وغدَّارات ****** مدافع جَّل الطيَّارات

ثم تُؤدى الكثير من المواويل والأغاني، مصحوبة بلحن وإيقاع من التصفيق باليد يُعرف بالتهجْيل وإيقاع على الدفوف يُسمى الدربكة، ويقتصر التْهجِّيل والدربَّكة على الصبايا... أما العريس والعروس فيُحظر عليهما الرقص..
أيضاً مما وفد مع المهاجرين صناعة السجَّاد من صوف الأغنام... حيث تقوم النسوة بشراء الأصواف من دبَّاغين الجلود... ثم يغزلنها ويصنفنها بحسب ألوانها... أما الصوف الأبيض فيصبغونه بألوانٍ زاهية... ليدخل كل هذا الخليط من الألوان في نسج السجادة التي تسمى عندهم بالشملة.
أما أهم الوجبات والأكلات الشعبية التي ما زال المهاجرون يصنعونها... وجبة المُقطَّع وهي أكلة شعبية يتم تناولها على نطاق واسع في ليبيا تُصنع من دقيق الفينو.. ثم وجبة الكسكسي الذي يصنعونه في المنازل من دقيق السميط وكما هو معروف فإنه وجبة يشتهر بها سكان المغرب العربي... وما زالوا يخبزون عيش التَّنور وإنضاج اللحوم في فرن التَّنور إضافة إلى صُنع وجبة الفتات.
أما بخصوص النقطة الثانية كما أشرت في مطلع هذا المقال.. فإنه، وبما أننا نختتم هذه المقالات عن الهجرات الليبية إلى دارفور لا بد من أن نشير إلى أن هذه الهجرات التي كانت قد تمت في أزمان سلفت، قد قادت الى هجرة ثانية قام بها مواطنو دارفور إلى ليبيا في عصرنا الحديث هذا، فبعد أن تطورت وسائل النقل وعبرت السيارات الليبية الحدود ووصلت إلى ميناء مليط البري، ثم بدأت أرتال أخرى من السيارات عابرة الصحراء تفدُ إلى مدينة مليط في ولاية شمال دارفور، وهي تحمل مواد التموين والمنتجات المصنَّعة في ليبيا والعديد من المنتجات الأخرى... وبالمقابل تحمل وهي عائدة إلى ليبيا المنتجات السودانية من المحاصيل والأغنام وغيرها من السلع، وفي ذات الوقت، يستقل أهل دارفور من الباحثين عن حياة أفضل... هذه السيارات الليبية، للذهاب إلى ليبيا والاستقرار فيها، خاصة مع تساهل الجماهيرية العربية الليبية كثيراً في فتح حدودها أمام حركة البضائع والمسافرين إليها، فانتقل عددٌ كبيرٌ من مواطني دارفور إلى ليبيا للعمل والتجارة فاستقر عددٌ منهم هناك وأقاموا فيها بصفة دائمة وأسسوا الأسر والأبناء، وقد بلغ عدد المقيمين في ليبيا الآن أكثر من مليون مواطن من السودانيين، يُشكل أهل دارفور الغالبية العظمى منهم، نأمل من المهتمين بأمر العلاقات بين القطرين، إيلاء الاهتمام المناسب والاستفادة من هذه الظروف التاريخية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تربط ليبيا بدارفور والسعي لتطوير هذه العلاقات الثنائية بما يخدم مصلحة البلدين وشعبيهما.

سجل دخولك و علق على الموضوع

 



روابط على موقعنا

 

 

 

جالو ليبيا
اخر تحديث: 09/12/2010م.