
حسن بوقباعة المجبري
|
الوريقة
الاولى..
عرش أم
نعش
فى احد أيام ذلك الصيف
الحار,وفى منتصف ذلك المكان والزمان,قد
تظن أن الجميع تواجد هناك ليتحدث ويتناقش
,قد تظن أن الكل كان واقفاً فى ذلك
الطابور الطويل,وقد ترى العكس تماماً.
الجميع صامتاًولاينطق
بشىء,لا يقف الا فى مجاميع مزدحمة,الكل
تواجد جلوساً اما تعباً وارهاقاً..او انهم
فضلوا الوقوف فترات وفترات, الكل ينظر الى
الكل متسائلاً؟
والاكيد هو أن جميعهم
بمختلف اعمارهم قد أرتدى ثياباً سوداء فى
ذلك اليوم,وقد كان نفس الاختيار ,اسود
اللون فى تلك اللحظات.
لاتظن أن ثيابهم
كانت انيقة وجديدة, ولاتظن أن الثياب كانت
بالية ومتمزقة"ولكنها
ثياب الحياة..فالحياة هى نفسها الحياة فى
ذلك الزمان أو هذا,فى هذا المكان أو هذا
,ولو ابدع المخلصون فكراً".حسن
الجميع تواجد فى
المكان فى نفس اللحظة والزمن بمشاعر
واحدة. فهل هى مشاعر السعادة؟أم هى مشاعر
الاسى والحزن؟.
انظر..انظر هناك
اربعة اشخاص يتحركون بخطى واثقة من مسافة
بعيدة وبعيدة وبعيدة الى مسافة اطول واطول
واطول ,ولا يصلون .لا.. أظنهم لا يرغبون
فى الوصول فى ذلك اليوم الحافل والطويل
جداً جداً
"فهذه طبيعة
الايام,فهناك ايام تختلف عن تلك الايام
وتلك!".حسن
فقط كانوا اربعة أشخاص
اشداء .اقوياء يحملون شيئاً عظيما فوق
اكتافهم,لاتظن ان ذلك المشهد هو مشهد
احتفالى بعيد ميلاد الملك أو عيد اعتلائه
للعرش,لاتظن أن ذلك الشىء الخشبى المحمول
هو كرسى أو عرش الملك؟ ولاتظن أن ذلك
المكان المزدحم هو قصر أو قلعة الملك
الحصينه؟لماذا؟.
لأن الجموع المتواجدة
فى منتصف ذلك المكان غير سعداء,لان الناس
وجميعهم قد ارتدى ثيابا قاتمة كسواد الليل
عندما يفتقد نور القمر,أو عندما تُخفى
الغيوم السوداء ..ضوء القمر.
ولماذا يغيب ضو القمر؟
ومن يقف وراء الغياب؟ وماسبب ظهور الغيوم
فى الصيف!؟ولماذا يختفى ضو القمر؟!,لاتظن
أن ذلك المكان هو قلعة الملك؟ لماذا؟
لان الناس اعتراهم
الحزن الشديد..وجوههم اسودت..ومشاعرهم
مكتئبة,وهذ بالتالى اوضح أن تلك الاحداث
بالكامل تناقضت مع مايحدث فى يوم الاحتفال
بعيد ميلاد الملك او عيد اعتلائه للعرش.
" ولانه دائما هناك خيطاً رفيعاً مابين
الشىء وعكسه" حسن,اذا
لاتظن ,فقط تحرى الحقيقة,وتاكد بعد أو قبل
أن تظن.
هل عرفت ماهو الشىء
الخشبى المحمول على الاكتاف الاربعة الان؟
لا لا..لم يكن العرش,لقد كان النعش!,هل
عرفت ما ذلك المكان المزدحم؟ لا لا..لم
تكن القلعة لقد كانت المقبرة!.
هل عرفت لماذا تواجد
الناس هناك؟لا لا ..لم ياتوا ليحتفلوا,لقد
قدموا لتقديم واجب جنائزى.
لكن.. لمن كان
التعازى؟ لمن كانت الجنازة؟
جنازة من كان داخل
النعش.
ومن كان داخل النعش؟
الوريقة الثانية..
السجين
الحر والحر السجين
لا لا لم يكن الملك
...لقد كان القتيل الاخير فى الدنيا,لقد
كان الحى الحقيقى والاخير على الارض!,لقد
كان الرقم العكسى,لقد كان الجوكر حاملاً
لبعض الوريقات الوردية لاغير.
فتى لا يحمل اى صفة من
صفات شخصيات الحياة المزيفة,كان طوال
حياته مستمتعاً بمن حوله,لقد احب كل ماهو
جميل.الازهار,الموسيقى,الترحال,الاصدقاء,والحياة
الخيرة للجميع دون اى استثناء.
كان يحمل قلبا عامرا
بالحب والطموح وعقلاً راجحاً ممتلى بفكر
كفكر الملك.
ولكنه لم يكن ملكاً فى
يوم من الايام ,ولايتمنى أن يكون فى احد
الايام!
فالملك هو شبه السجين!
فما الفرق بين الملك والسجين؟ ,الملك محاط
بالحراس فهو غير حر هو مراقب!
..والسجين كذلك محاط
بالحراس وبالتالى هو غير حر ومراقب.
الحقيقة البارزون فى
الدنيا مراقبون وتنسج حولهم مختلف الاخبار
والفتن,الفرق فقط هو أن الملك كاذب فى هذه
المسالة,لان الملك يدعى السعادة وهو غير
سعيد, فالملك يتعرض للمخاطر وللقتل وكذلك
محاولات التغيير المتوالية, فهو دائماً
يفكر فى كيفية استمرار حياته او متى ياتى
صباح اليوم التالى ليخرج لجموعه وتستمر
الحياة,وهذا سجن نفسى عظيم! ياله من
مسكين,حقا لقد ظلم هذا الملك وذاك.
لقد كان من الاجدر أن
يلقب الملك بالمسكين! وليس بصاحب الجلالة
,وغيرها من اسماء الله الحسنى,لماذا؟لانه
ببساطة ضحية هذا العرش والذى قد يكون قد
ورثه وراثة وهذا واجب ملكى عائلى مقدس وقد
تورط فيه الملك الوريث.
اذا من هو الملك؟
ولماذا ظهر هذا المصطلح فى اللغة؟
الملك يجب ان يكون
رئيس الحرس,الذى لا يظهر ابداً للناس,بل
هو الذى يختار من يظهر ومن لا يظهر,حتى
يحمى العرش حتى يحمى المسكين المعظم..حتى
يحمى الملك!.
اذا من الاجدى أن يكون
الملك هو الشخص القادر على حماية الاخرين,
هل عرفت لماذ ذلك الفتى لا يريد ان يصبح
ملكاً؟.
لانه ولد حرا..واراد
ان يكون حرا..وهو لايريد أن يسجن
كالملوك,ولكنه فشل ايضا فى أن يكون
حرا,اذا ما الذى حدث؟
الذى حدث هو مايحدث
للملك عندما يكون بلا هوية أو حماية أو
تعريف ملكى.
فالفتى ولد بطبيعة
وسلوكيات الملوك
..الخُطوات,الثياب,الانفة,الكبرياء,القدرات,التحدى,الشموخ,الرجولة,الشهامة
والخصال كلها كانت ملكية وتواجدت جميعها
فى شخصه,ولكن الجميع استكثر عليه ذلك!
كيف يكون فتى نكرة
مغمور متواضع المعيشة,متحلياً بتلك الصفات
المتعاظمة؟.
يجب ان يقهر..لا يجب
ان ينتهى او حتى يقتل؟.
"لكن الطموح يجدد الحياة ويجعلها تتطور
الى الافضل".حسن
لقدأحب اجمل وأنقى
واصعب فتاة فى تلك المعمورة الواقعة خلف
تلك المقبرة.
فى الحقيقة المقبرة مع
القبور والمدينة وبيوتها سيان فى
التشابه,قبور مختلفة,وبيوت مختلفة,لافرق
فى ذلك.
الفرق الوحيد هو ان
المدينة تعيش فى النهار,والمقبرة تنتعش فى
الليل.
الناس يعيشون تحت
الشمس والعفاريت تتحايا تحت ضو القمر أو
فى غيابه.
ولماذا يغيب ضو القمر؟
وماسبب غيابه؟ ومن وقف وراء غيابه؟ومانوع
الغيوم؟ولماذا اختفى ضو القمر؟واين
الجوكر؟.
الوريقة الثالثة..
قمر
وغيوم
لقد احب الفتاة التى
عشقت الشاب الاخرالذى عشق الفتاة الاخرى
والتى عشقت الرجل الغريب الذى عشق الارملة
التى عشقت الولد المراهق ,الذى احب
امه,التى احبت ابنائهم بعد وفاة والدهم.
"الكل يغنى على
ليلاه".
الحب اخطى
العناوين,لقد تعاضمت شخصية الفتى من اجل
الفتاة ليريها انه الافضل,فشبهوه الرعية
بالملك..ولقبوه بالزعيم.
ولكنه ليس بزعيم..هو
فقط فتى قبل تحدى الحب واراد أن يثبت
لمحبوبته والتى تغاضت عنه, وتاهت فى
اختيراتها,انها مخطيئه بعدم اختيارها له
,لذلك تحدى الفتى,وانتصر فى تحدياته وذاع
خبره,واضهر قوة وعنفوان الملوك حين
يطمئنون بان كل شى على مايرام.
ذات يوم قرر الملك أن
يتحدث فى الرعية.
فسأل العرافة سؤاله
التقليدى: من هو الاقدر على تسيير الدولة
هذه الايام.
فردت باجابة مختلفة
هذه المرة:اثنان احداهما انت!
فرد الملك غاضباً: أين
رئيس الدرك؟
اتى رئيس الدرك على
عجل.
خاطبه الملك: لقد قالت
اثنان,لماذا لم تقبضوا على الاخر وترموه
فى غياهب السجون مع امثاله.
فرد رئيس الدرك:
ذلك لانه يحمل صفاتك
ياصاحب الجلالة ,فتى يقتدى بك وبتصرفاتك
فهو مثلك حين كنت يافعاً قبل ان تعتلى سدة
الحكم وهو لا يخطى ويثير الاعجاب من حوله
مثلما اثرت الاعجاب فينا حينولا تزال.
صمت الملك قليلاً
حائراً ,مفكراً ورد:
حسنا ارصدوا كل
تحركاته ولاتجعلوه يقترب من أى شى مبهج
حتى من محبوبته ضعوا العراقيل فى طريقه
حتى لاا قابله يوما ما.
لا تكافئوه بشى فقد
يطمع فى الاكثر.
فقط ضعوا العراقيل فى
طريقه حتى يضطر للانحراف عن مساره,واتونى
باخباره اولاً بأول.
نُفذ تدبير الملك على
الفتى وهو لايدرى,فوجد الفتى حياته وقد
انقلبت راساً على عقب وصدت جميع مباهج
الحياة فى طريقه فأتجه الى الحب فوجد الكل
يمنعه ويراقبه تنفيذاً للاوامر الملكية
الطارئه.
لقد اخافوا
الفتاة..فابتعدت عن الفتى دون رجعة,فاختار
يوم ظهور الملك فى مدينته وتسلل من بين
المراقبين الملاصقين,ليحكى له قصته
المثيرة والضاحكة,حقا
"ان شر
البلية مايضحك"مثل عربى
فالحرس سيظنه يريد
الاطاحة بلملك حينها,تسلل من بين
المراقبين بسرعة فعاجله الدرك بلضرب
القاتل بنفس السرعة,وقتل الفتى مخرجاً
لبعض الوريقات الوردية بعد ان تخضبت بلون
دمائه وامتزجت وتعطرت بعرقه النقى.
تصفح الملك الوريقات
الثلاث,فوجدها:قصة ...قصيدة...ورواية.
تاثر الملك من حرارة
الموقف وبعد ان اكمل قراءة المحتوى,قرر ان
يهدى جثمان الفتى جنازة ملكية ,ندماً على
قتله عن طريق الخطا .
فلذلك غاب القمر حزنا
,ولبس الناس السواد,ولذلك تواجد
الجميع,فارتاح الجنود الذى راقبوا تصرفات
الفتى ونقلوها تباعا الى اعلى واعلى حتى
وصلت قصر الملك,والذى كان يامرهم تباعا
بأوامر عكسية تهبط تدريجيا الى اسفل واسفل
حتى تصل كوخ ذلك الفتى المراقب,ولذلك كان
يوما طويلا.. وطويلا. وطويلا.انهى تلك
الحياة الطويلة والمتعبة التى عاشها ذلك
الفتى الجوكر.
الوريقة الرابعة..
المرسوم الأفتراضى
تأثر الملك بشدة فور
قراءته لوريقات الفتى الضحية... وجلس
كثيراً يتدبر فى الأمر.
وبعد عدة شهور ,أخبر
رئيس الدرك بأنه يرغب فى أن يعلن امام
الرعية خبر تخليه عن العرش.
فوجىء رئيس الدرك
بالأمر وحاول أن يثنى مليكه عن ماعزم به,
فنهره الملك بشدة وعنف,وأصر على تكملة
مابدأ له من صواب رأى.
تم تحديد موعد
الالتقاء بالجموع الحاشدة.
وخرج الملك من جديد
وبدأ يعُلن عن مرسومه الافتراضى..
ايها الجموع... يأبناء
شعبى الطيب..
ياجموع النبلاء..
ياجموع الفرسان..ابناء الرعية..
أعلن امامكم اليوم خبر
التخلى عن العرش.. فالعرش لكم وانتم
الملوك وانا لاشىء..
واقترح عليكم طريقة
تتدبرون بها اموركم وهى{الطريقة
الافتراضية}.
حيث تفترضون بعضكم
بعضاً ,فالكل مفترض, اذا الكل متساوون..
وستجتمعون وتتشاورون فى مسرح الافتراض. كل
عام مرة..وستخبرونى عن افترضاتكم
المفترضة.
فالمفترضون لهم الثواب
ولهم حق التنعم فى مملكة الافتراض
الجديدة.
وفى النهاية ستجدون
السعادة الافتراضية وسيعم الخير الافتراضى
على الجميع.. دمتم مفترضون الى يوم
الافتراض العظيم.
وعندما اكمل الملك
مرسومه الافتراضى ذلك عاد الى قلعته
الحصينة واثقاً بأنه قد نجح فى افهام شعبه
بفكرته الافتراضية.
اما الرعية فقد
اعتقدوا أن مليكهم قد جُن ,فهم لم يفهموا
شيئاً مما قاله البتة.
اوصل رئيس الدرك
ماأشيع عن الملك فوراً.
فضحك ساخراً وقهقه
كثيراً وقال"أتمنى أن لا يفهموا مرسومى
الافتراضى هذا حتى يشبوا اولادى عن الطوق
ويصبحوا فرسانا اشداء اعلمهم السياسة
ليساندونى فى الحكم ويحافظوا على ملكية
العرش الافتراضى.
تمت
وبعد سنوات اخرى
سأتحفكم ببعض الوريقات الاخرى.