• الرئيسية • اخبار • مواضيع علمية • مواضيع ادبية • البوم الصور • روابط مختارة • سجل الزوار • المنتدى •

النوم اللذيذ

 كتب الموضوع: حسن بوقباعة المجبري

15 -08 -2008

حسن بوقباعة المجبري

 باحث أكاديمي بمعهد

الدراسات والبحوث البيئية

جامعة عين شمس

 

قدره أن يقبع فى تلك الغرفة القريبة من صوت مضخة المياه والتى يجب أن تشتغل لسحب المياه عند منتصف الليل لمدة ساعة.

وعند ساعة الفجر لمدة ساعتين

حتى يتمكن الجميع من الاستحمام

من ينام فى هذا المكان الشبيه بالمصنع وهدير الآلات والماكينات؟

لا يستطيع ولا يتمكن من النوم..

يذهب إلى المسجد ليستحم وينام

يتمكن أخيـــــــــراً من النوم.

ينزعج القائم بإدارة المسجد فيوقظه بعصبية صارخاً فى وجهه:

"هيا .. هنا ليس فندقاً .. اذهب إلى بيتكم يا بابا"

.. ينهض منزعجاً مضطراً.

.. يجرجر خطواته المتثاقلة من جديد إلى البيت وهدير المضخة.

يحاول أن ينام لا يستطيع.

يتذكر مركبته الأنيقة يقرر النوم فيها

يلحظه أحد أبناء الجيران ..

يركبه وسواس

لم يفهم ما يجرى .. يراقبه من بعيد

ويقرر فى قرارة نفسه أنه ما فعل ذلك وتظاهر بالنوم فى المركبة إلا لأنه ينوى مقابلة إحدى جميلات الحارة.

يشدد الرقابة عليه .. يتعب من المراقبة .. فلان نائم وغارق فى النوم اللذيذ

يتعصب ويرمى المركبة بالطوب والحجارة..

ينهض فلان منزعجاً .. يخرج من المركبة .. يتلفت إلى كل الأنحاء..

يصدم بنظرات من رمى الطوب الكارهة الحاقدة.

تحدث مشاجرة ينهض الباقون ... يتهمونه بشتى أنواع التهم .. يحتج .. يخرج الأخوة

يصيح من رمى الحجارة :

 "ابنكم مجنون .. اعتنوا به أو اذهبوا به إلى المصحة النفسية قبل أن يفضحكم".

يؤكدوا ذلك من أدوا صلاة الفجر

ابنكم ينام فى المساجد .. ويستحم فى المساجد

نصيحتى لكم أن ترفعوه لعيادة نفسية

ينظر إليهم باحتقار

و يحاول الدفاع عن نفسه ..

يعجز ... ولا يستطيع

يتكاثرون عليه .. ينقضون عليه .. يحاول التملص بعنف وعصبية .. يهرب منهم .. يجرون خلفه .. يتغلبون عليه .. يستسلم ..

يحمله أربعة إلى مستشفى الأمراض النفسية.

يحاول أن يدافع عن نفسه .. لا يستطيع .. ويعجز فمن يصدقه؟

يسأله الدكتور .. ماذا بك يا فلان؟

يرد فلان :

" أبداً..

مشكلتى أننى قابع فى قاع هرم العقل

أى بمعنى أننى مخلوق أعيش بين شريحة الأغبياء والعقل يتدرج ما بين الغبى ثم العاقل ثم الذكى فاللبيب والداهية ثم المفكر ثم المنظر فالفيلسوف

وعندما يتواجد أحد من الصفوة فى قاع الهرم يحدث له ما يحدث لى"

يتمتم الدكتور : هوس .. هوس

يأمر الأخصائية : اعملى له تحليلاً نفسياً

تجلب له أوراقاً ساذجة .. مبهمة

كالفراشة ، كالأيادى المتصافحة ، كعلم إحدى الدول العربية . كالرأس المقلوب

وتسجل الأخصائية النتائج بانهماك وذكاء!!

فيسألها: ماذا تدونين فى تقريرك يا آنستى .

ترد عليه: هل قمت بإجراء رسم تخطيط دماغ

يقول فلان: ستجديننى (UPNORMAL) لأننى غير مطابق لما درستى فى محاضراتك العلمية ، لأن مساحات العقل محدودة فى الإنسان العادى أما أنا فأحمل

مساحة إضافية هى مساحة الفكر أو الفلسفة  فعندما تطابقين رسم دماغى بما درستِ من معلومات مكررة ستدونين فى تقريرك المبهر بأننى(UPNORMAL).

ترد متمتمة: هوس .. هوس

ترفع النتيجة للدكتور

يدقق فى النتائج ويأمر بحجز فلان على ذمة العلاج.

يتفاجأ فلان .. يصرخ .. يحتج ..

"أنا مشغول بأداء بعض الامتحانات .. أنا موجود هنا فقط فى إجازة بين أهلى."

يأمره الدكتور بالسكوت فى عنف

لا يسكت فلان : بل يصرخ فى وجه الدكتور.

من يُقيّم من؟!

أنت الذى تحتاج للعلاج ولست أنا

يقبضون عليه ويحقنونه.

يستسلم

فى الصباح يأمرونه بأخذ عدد ستين نصف حبة دواء مثبطة للدماغ.

وفى المساء يأمرونه أيضاً بأخذ عدد ستين ربع حبة دواء منشطة للدماغ.

يستسلم

ينهض ليستحم فلا يجد أدواته

لقد سرقها عمال النظافة فى المستشفى

ينادون عليه :-

عندك زيارة

أحد إخوته يجلب له بنطلوناً واسعاً وقصيراً لونه بنى وفانيلة صوفية مشوكة لونها أحمر

يأمرونه باستبدال بدلته الأنيقة بهذا اللباس.

يتحدث مع الدكتور الأجنبى ويشرح له أنه لو لبس هذا اللباس سيؤكد لكل من يشاهده أنه مجنون .

يتفق معه الدكتور الأجنبى ..

فيسلم أمره لله. ويستمر مرتديا بدلته الأنيقة.

يجلس متأملاً فى الدنيا وأحداثها .. يتذكر هتلر والمحرقة !!

.. يتذكر كل الحكام الذين وصفوا ظلماً فى التاريخ بالدكتاتورية .. يشفق عليهم!!

 .. يتمنى أن يصبح صاحب الأمر فى هذا المكان حتى يعيد الدكتاتورية إلى الأذهان ويبرئ الحكام الذين يصفونهم إجحافاًبالدكتاتورية ..

حقاً إن هناك نوعاً من البشر يستحقون شيئاً أقصى من الموت والإعدام ..

إنهم النوع الحاقد .. الغبى .. الذى لا يفهم ولا يريد أن يترك الآخرين يعيشون سعداء فى حياتهم البسيطة..

فى المساء يناجى ربه ويدعوه.. أخرجنى يا الله .. أخرجنى يا الله

يتذكر أبو فراس الحمدانى فى سجنه وكيف ناجى الحمامة بأبيات شعرية

.. يهتدى إلى فكرة يمزق أحد جيوبه ويسحب خيوطها ويهمس فيها مناجيا وداعيا ربه

"يا خالق الكون يا ملك الرياح يا من أرسل الأنبياء نوحاً ،موسى ، يونس ، عيسى ،  محمداً

أنت تعلم أنى قد ظُلمت من فلان وفلان وفلان وأنهم حاقدون .. حاسدون تنقصهم الرجولة .. بحق الأمومة والطفولة والحياة.

.. أنت تعلم أنى قد سهرت الليالى واجتهدت وعرقت.

لامس بدعائى هذا أوراق الأشجار لتلامسه الطيور توصله للناس الطيبين والشرفاء ليأتوا لإخراجى ..

ونفخ فى الخيوط التى تطايرت بعيداً خارج غرفته المظلمة ..

وأكمل قائلاً :

اللهم إنى لا أجيد الدعاء ولكنك تعلم نيتى فاخرجنى وانصرنى.."

فى الصباح

يأمره الدكتور بملاقاة أحد أقاربه الشرفاء فيتفطن للأمر ويخرجه.

يلاقونه الجيران من جديد ومن أدخلوه بالهمس المتبادل

المجنون .

 

اسطنبول 2003                   

للاتصال بالكاتب: حسن بوقباعة المجبري

hbukabba@yahoo.com


 

سجل دخولك و علق على الموضوع

من مواضيع حسن بوقباعة المجبري

 

روابط على موقعنا

 

جالو ليبيا
اخر تحديث: 09/12/2010م.