• الرئيسية • اخبار • مواضيع علمية • مواضيع ادبية • البوم الصور • روابط مختارة • سجل الزوار • المنتدى •

عادل أبوبكر الطلحي

كاتب و باحث ليبي

لمعرفة المزيد عن الكاتب انقر هنا

موازنة مغلوطة  

قرأت في إحدى إعداد صحيفة (  الأهرام المصرية ) منذ فترة من الزمن ، وفى صفحة ( قضايا وأراء )  مقالة للأستاذ الدكتور على إبراهيم ، الأمين العام لاتحاد الصيادلة العرب ، تتحدث عن العولمة ، لقد وقفت عليها فاعجبنى أسلوبها وتحليلها العميق ، غير انه وقع نظري على جملة يقول فيها الدكتور : ((  يمكننا القول إن الحضارة الإسلامية إن لم يكن الظاهرة الأولى لبداية العولمة الحقيقية فإنها العولمة المرصودة تاريخيا بشتى جوانبها الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية )) ، وقبل البدء في التعقيب أولا أريد إعلام القراء الذين يقرؤون كلامي هذا باني لم أرد قط انتقاص احد فيما اكتب ولا أردت الحط من منزلة احد يعرف بالفضل وإنما هي استدراكات اقصد بها خدمة العلم وجلب المصلحة وما نحن إلا رضعوا لبنان المعرفة إن فأتتنا مصة نولتنا أم العلوم حلمة ثديها بحنان .. وان كنت قد ألزمت نفسي بنفسي وكتبت عليها عدم الوقوف على شؤون الآخرين ، فاننى اسمح لها بمسألة واحدة التفت بالنظر إليها دون الدخول في التفاصيل فانا وفى حدود قراءتي المتواضعة ـ وفى حدود الرأي الذي تكون لي وافهمه أيضا انه لا يجوز الموازنة بين العولمة باعتبارها تسعى إلى صهر الإنسان في كل إرجاء العالم داخل بوتقة قيم أخلاقية واجتماعية ومعرفية واحدة ، وبين الأديان السماوية التي جاءت لترسم للإنسان طريقا للحياة يؤدى في النهاية إلى تحصيل سعادة في الدنيا وسعادة الآخرة .. وكما نعتقد أيضا انه من غيبة الوعي الذهاب إلى الموازنة بين العولمة وبين الأديان السماوية ، ذلك لان الدين وان كان يعالج قضايا الواقع الانسانى إلا إن مصدره مفارق وعلوي ، بينما العولمة نابعة من ارض الواقع ، تصوغها قوى بشرية تحاول إن تشكل الواقع الانسانى المعيش تشكيلا يتفق مع مصحالها وظروفها الحضارية بينما الدين ـ وخاصة الإسلام ـ جاء لإصلاح أمر الإنسان كله ، وساوى بين الناس فلا فضل لعربى على اعجمى إلا بتقوى الله ، بينما العولمة جاءت لتوكد سوبرمانية الإنسان الغربي ، وخاصة الامريكى ـ وجاءت لتجعل الرأسمالية " نهاية التاريخ " وجاءت لتهتم بدنيا الناس ولا علاقة لها باخرتهم عكس الدين تماما الذي أكد على أهمية حياة الأولى والآخرة ، وإذا كان لابد من الموازنة فلتكن بين الأفكار أو الحضارات التي سادت بين الناس حينا من الدهر ، والتي أفرزت قيما وأخلاقا وتقاليد كما أفرزت وتفرز الحضارة الغربية الآن قيما وآليات لصياغة وتوجيه السلوك الانسانى .. وإذا كان ثمة ما يدعو للموازنة بين طرح النظام العالمي الجديد المسمى " العولمة " وبين " العالمية " التي تحققت للحضارة الإسلامية فانه ينبغي ، في نظرنا ، إن تنطلق هذه الموازنة من خلال محاولة الإجابة عن التساؤل التالي : لماذا لن تحاول الحضارة الإسلامية ، وهى كانت الأقوى عالميا إن تشكل العالم المعاصر لها تشكيلا يتماشى وينسجم مع مصالح صناعها كما يحاول الأمريكان ، والغرب إن يفعلوا ذلك في اللحظة الحضارية الراهنة من خلال ما يسمى بـ ( العولمة ) وللإجابة عن هذا التساؤل نقول : الحضارة الإسلامية لم تحقق ذلك ولم تسع إلى تحقيقه لعدة أسباب نذكر منها :
  • أنها لم تكن تهدف أو تخطط للقضاء على الحضارات الأخرى التي كانت تشاركها الوجود بقدر ما كانت تهدف إلى التواصل مع هذه القوى وتلك الحضارات مثلما فعلت مع حضارة بلاد فارس ، مثلا ، إذا بعد نشر الإسلام ببلاد فارس استوعبت الحضارة الإسلامية حضارة الفرس وحافظت على القيم النبيلة الموجودة فيها . وتواصلت معها ومع بقية الحضارات التي كانت قائمة في البلاد التي دخلها الإسلام ولم تحاول القضاء على أية حضارة مناظرة .
  • إن الحضارة الإسلامية لم تكن تهدف إلى السيطرة الاقتصادية والسياسية أو الثقافية على الآخر ، كما تفعل الحضارة الغربية مع الحضارات الأخرى التي تناظرها ولم تكن تعتبر " الآخر" عدوا أو خصما كما تفعل الحضارة الغربية المعاصرة .

هكذا  يتضح لنا إن الموازنة بين عالمية الإسلام وعالمية العولمة هو مغالطة فكرية.

 

عادل ابوبكر الطلحى
Adel_1976_2010@yahoo.com

09 -01 -2007

الي اعلى الصفحة


الإسلام في اللاوعي الغربي 

منذ مدة غير بعيدة سمعت محاضرة قيمة للباحثة الليبية الدكتورة سالمة عبدالجبار أستاذ الفلسفة الإسلامية بالجامعات الليبية تتحدث فيها حول كيف حاولت وسائل الاعلام  الغربية ، وسياسيون ومفكرون غرب ، بث وزرع  في اللاشعور المواطن الغربي صورة سيئة للإسلام  ،بل لا تتورع عن الوصف هذه الصورة  بعض الكتب المدرسية والأكاديمية.

و اذكر مرة قرأت جملة قالها الكاتب ديفيد ماكدول ،"ان الكثير من الاوربيين ـ كما تصور لنا الصحف الغربية الواسعة الانتشار ـ يرون العرب ـ المسلمين ـ بأنهم غدارون وفاسدون ومتطرفون وقساة .. وينظر الاوروبيون بقلق شديد الى الإسلام فهو لم يعد ظاهرة بعيدة معزولة عن اوروبا بالحاجز الارضي والبحري ، فالإسلام جزء من المد الثقافي الذي يلون حياة الاحياء الفقيرة في مدن اوروبا الغربية وتمثل المساجد المقامة في العواصم الاوربية كالمسجد المركزي في لندن والذي يمكن مشاهدته عبر "ريجنت بارك" او مسجد فيينا المبنى على الطراز المعماري العثماني والمقام في مكان عسكر فيه العثمانيون قديما رموزا مقلقة وتشير الى تسلل العدو مرة اخرى عبر الباب الخلفي جالبا معه قدرا كبيرا من اللاعقلانية وصورا متداولة على امتداد قرون مثل الجهاد ضد الكفرة ودعوات التطرف الديني يرى الإسلام هنا على انه خطر داهم ويتردد في الصحافة الاوروبية تعبيرات مثل القنبلة الإسلامية ، بما تحمله من نزعة عنصرية مقيتة ..وكما كتب ميشيل جيلسنان " أضحى الإسلام مصدر قلق للسياسة والاعلام الاوروبي ويجري تصويره لدينا باعتباره احاديا وشموليا وهدفا مقررا " وبالاحرى شيئا يمتلك ارادة خاصة به وهناك فكرة راسخة ترى بان الإسلام قوة عاتية غير عقلانية تحرك المجتمع باتجاه تأكيد هويته الثقافية وصلابته السياسية ونفوذه الاقتصادي "..ان ممارسة الإسلام هو ما يثير ارتباك الاوروبيين" على حد قول ميشيل جيلنان"

 وكما يرى الكاتب المغربى  المهدي المنجرة بخصوص " الخطر الإسلامي " فان 23% من الامريكيين فقط لهم موفق ايجابي من الإسلام ـ طبقا لاحدى الاحصائيات التي يذكرها ـ، وهذا يعني ان مايزيد على 75% منهم " متخوفون " من الإسلام ، وكلمة " الخوف " هذه أصبحت لها دلالة مرعبة في ذاكرة الانسان الغربي المعاصر.لقد أصبحت تتصدر واجهات وعناوين عشرات من الكتب الصادرة حديثا.

  وينقل عن جاك بوميل البرلماني الفرنسي مقطعا عن مقال له نشرته جريدة لوموند في ابريل 1993 " واضح ان الناتو التي اصبحت محرومة من الاعداء لم يعد لها مبرر للوجود الا من خلال الماضي . واكثر التهديدات للوجود الامن خلال الماضي . واكثر التهديدات جدية هي تلك الآتية من الدول الإسلامية ، ان هذه التوترات التي اصبحت تستعصي على المراقبة ستجعل من حوض البحر الابيض المتوسط " برميل بارود" بالنسبة للسنوات المقبلة ، يجب ان نأخذ حذرنا من هذا القوس الشيطاني الذي يمتد بين الجزائر وباكستان .

 لقد انتشرت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، فكره أن الإسلام هو العدو الجديد للغرب ، وهي فكرة كان الهدف منها ايديولوجيا ، بغية الابقاء في الشعور واللاشعور الغربي لايديولوجيا التمركز الغربي ، ولكن هذه الفكرة لم تكن اكثر من خرافة على حد تعبير فريد هاليدي. الذي كرس  ، جزءا كاملا من كتابه"الإسلام وخرافة المواجهة" للموضوع وطرح الاشكالية من باب التساؤل حول ما اذا كان الامر يتعلق بخطر الإسلام على الغير او خطر يتهدد الإسلام وينتقد الكاتب كل اولئك الذين يتحدثون عن المواجهة بين الإسلام والغرب مؤكدا بان الامر ما هو الا خرافة واسطورة نمت في عقول صانعيها من المغرضين الذين نشروا فكرة المواجهة اما لحقد يحملونه ضد المسلمين او لجهلهم لواقع الامر وشرح أن الخطأ الشائع هو الخلط بين المسلمين والإسلاميين ـ حسب تصوره ـ فالمسلمون الحقيقيون مسالمون ويؤمنون بما نزل على نبيهم وعلى الانبياء الآخرين ولا يبغون الفتنة ولا الحروب اما الإسلاميون فهم الذين يختبئون وراء ستار الدين لخدمة اغراض سياسية قد تتنافى في بعض الاحيان اذ لم نقل في جلها مع تعليمات الدين...ويعتبر انه من الخطأ الحديث عن مواجهة بين الإسلام والغرب "انما الاصح هو الحديث عن المواجهة بين الإسلاميين والغرب ولا يحتاج المرء الى جهد كبير لفهم اسباب تلك المواجهة فهي في غالبها ذات طابع سياسي بحت..".

ويرجع اسباب تنامي موجة العداء الحالية الى سلسلة من الأحداث بين المسلمين والغرب . فالحروب المتواصلة بينهما امتدت من القرن الثامن الى القرن السابع عشر . وبتقدم الأتراك في غزو الأراضي الأوربية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ازداد العداء ضد المسلمين ، ولكن هذا الشعور العدائي للمسلمين يختلف في الغرب من بلد الى آخر ، فبارتفاع ثمن البترول في السبعينيات ازداد شعور العداء ضد العرب المسلمين : تقوم المواجهة بين الأمم والشعوب اذا توفر أحد شرطين أوهما معا:

اولا: اذا كان احدها يهدد وجود وسلامة كينونة الآخر.

ثانيا:تقوم المواجهة بين الأمم والشعوب ، وان كانت بحدة أخف ، اذا كان أحدها يهدد مصالح الآخر اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ..ومن هذا المنطلق فان استعمال هذين الشرطين لايسمحان بالحديث عن وجود مواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي ككل فهذا الأخير لايمثل تهديدا لوجود وسلامة المجتمعات الغربية اذ ان الدول الإسلامية لاتمتلك السلاح النووي الذي هو بحوزة دول أخرى غير مسلمة وغير مسيحية مثل اسرائيل والصين ومن ثم فان حالة المواجهة تنتفي في رأي هاليدي معتبرا أن الحديث عنها من قبيل الأسطورة . أما بالنسبة لتهديد العالم الإسلامي لمصالح المجتمعات الغربية فان نظرة واقعية تفيد بأن مصالح الغرب في المجتمعات العربية والإسلامية تتمتع بنصيب قوى خاصة منذ التسعينات وسقوط الاتحاد السوفييتي في شرق أوروبا فالمصالح البترولية للغرب في الشرق الاوسط عززت صيانتها حرب الخليج الثانية .الى ان وصل بها الامر الى السيطرة الى النفط العراقى .

  وفي كتاب الإسلام والغرب الصادر عام 1995م عن دار وست فيو برس لاند ، وهو من تأليف اثنين من كبار المتخصصين في شئون الشرق الأوسط ، الأول : جراهام اي فوللر الذي عمل أكثر من عشرين عاما في الحقل الديبلوماسي في الشرق الأوسط ، خاصة تركيا وهو مختص بالتنبؤ باحداث الشرق الأوسط في المخابرات المركزية الأمريكية وله العديد من المؤلفات . والثاني : ايان أوليسر وهو من كبار أعضاء دائرة السياسة الدولية في مؤسسة راند ، ومتخصص في الشئون الأوربية والبحر المتوسط ..اكد المؤلفان على:أن مهمة الغرب أو الولايات المتحدة ترويض الخطر القادم ـ من الإسلام ـ لتصدر عنه استجابات متلائمة مع مصالح الغرب أي في اتساق مع ظروف الضرورة العالمية التي يفرضها الغرب. ويقرران أن العلاقات بين الإسلام والغرب لاتمثل بذاتها المجال المقبل للصراع الأيديولوجي العالمي فالإسلام من حيث هو عقيدة ليس على طريق التصادم مع الغرب .. ولكنهما في جميع الأحوال يستخدمان الإسلام رمزا لمصالح اقليمية مقابل الغرب رمزا لمصالح اقليمية متباينة،وهي مقابلة غير دقيقة،وينظران الى مجموعة من الاحداث الاخيرة انها استثارت ذكريات قديمة عمرها ألف عام من المواجهة والمعايشة بين الإسلام والغرب وهذه الذكريات يستفيد منها المتطرفون وتدعم الشعور بحالة الحصار الثقافي وأن المنطقة الإسلامية ضحية عدوان غربي وبالمثل تتزايد الصور السلبية في الغرب بسبب هجمات ما اسماه بالارهاب "ولهذا فان مشاعر الحصار متبادلة والمرجح أن تتفاعل هذه الاحتكاكات مع انقسامات أشمل خاصة بقضايا الجنوب والشمال والأثرياء والفقراء" ..وعن المجتمعات الإسلامية في الغرب ، يرى الكاتبان:" أنها  تقف مع حرية الاعتقاد الديني والديمقراطية وحق التعبير والتسامح حيث الجميع مواطنون ..فالمجتمع العلماني هو المجتمع المفضل لدى المسلمين في الغرب ..فقد وجدوا انفسهم بين خيارين، اما الاندماج في المجتمع على هذا الأساس الصحي ، واما العزلة أي اسلام الأقليات المنعزلة .وتدرك المجتمعات الإسلامية المحلية في الغرب أهمية الحماية العلمانية لحقوقهم الدينية ومعتقداتهم السياسية ، والمشاركة الايجابية والندية ..

  وفي ندوة في العاصمة السويسرية ادارها المستشار الألماني السابق شميت وشارك فيها مستشرقون ورجال دين ومفكرون وصحافيون ناقشت " الندوة "بشكل ادق امكانيات تحول الدول العربية والإسلامية كقوة تهديد للغرب ، عبر النفط ، القنبلة الإسلامية ، الاصولية ، لكنها لم تتطرق للاسلام كدين وشريعة ، يمكن لها أن تخلق مستقبلا أفضل ، للبشرية وهذه مشكلة اغلب الندوات والدراسات  التي تعقد عن الإسلام والغرب، وقد افتتحت الندوة بسؤال ل تيو زومر ، مدير تحرير صحيفة " دي تسايت " ماهي فعليا الاخطار الخارجية التي تهددنا من العالم الإسلامي ؟ فلقد أعلن جون كالفان القائد الاعلى لقوات حلف الاطلسي في كلمته الوادعة في بروكسل " اننا قد ربحنا الحرب الباردة وها نحن نعود اليوم 70 عام من الصراعات الضالة الى محور الصراع القائم منذ 1300 سنة انها المجابهة الكبيرة مع الإسلام " هل تعتقدون ان لمثل هذا القول اساس من الصحة ؟

  يذكر مكسيم رود نسون في المقدمة الثانية لكتابه جاذبية الإسلام ، عن ازدياد الاهتمام العام في الغرب بالإسلام بعد بروز التيارات والحركات الاسلامية على المشهد السيايى الغربى والاسلامى ، أن الاهتمام بالإسلام قد تزايد ."وبدون أن أجري استطلاعا دقيقا للرأي العام فانه ليمكنني القول ان المقالات من كل الأنواع والبرامج الاذاعية والتلفزيونية التي أخذت تتكاثر حول الموضوع ، على الرغم من كل خداعها وأخطائها وغشها ، لا يمكن الا أن تكون قد حملت في طياتها بعض المعطيات الصحيحة وأدت الى ألفة الجمهور الغربي مع عالم مجهول الى حد كبير. ولكن من الصحيح القول أيضا ان المعلومات الخاطئة قد انتشرت في كل مكان وان مجمل صورة عالم الإسلام قد شوهدت من خلال منظور مشوه الى حد كبير .والصورة التي صعقت روح الغربيين وكل أولئك الذين يعيشون خارج العالم الإسلامي بدون شك كانت تلك التي تتمثل بنمط الهوس التعصبي الذي يدعى بحسب الحالات والبلدان والاتجاهات : بالأصولية ( الإسلامية ) ، أو بالتزمت ( الإسلامي ) ، أو بالحركية الإسلامية . انها صورة مهددة بالخطر ومخيفة ، صورة مرتبطة بطبقة الاكليروس الدينية المقززة التي يشعر نحوها الغرب كله بالرعب لأنه عانى طيلة قرون عديدة من الاتجاه المسيحي الذي يماثلها . ومن هنا ينتج ذلك الميل عند الغربيين الى اختزال الإسلام وكل ماهو اسلامي الى فزاعة مخيفة . وهذا ليس مرضا عقليا تنبغي ادانته وانما ظاهرة مستمرة للاليات الأبدية للروح البشرية . ولكنها تستخدم بالطبع لأهداف غير حميدة وغير بريئة بدرجات تقل أو تكثر"   ويرجع الدكتور علي الشامي خوف الغرب من الإسلام،لسببين رئيسيين:

اولا:"لان في علاقة الإسلام مع الغرب تاريخيا ، كان الإسلام يسير دائما باتجاه يثبت ضعف الغرب ففي البدء كان طرد الغرب الروماني ـ البيزنطي من سوريا ومصر وشمال افريقيا ، ومع افول القرنين الثامن والتاسع الميلاديين كان الإسلام قد ضم اليه بلاد فارس وتوجه عبر البحر الابيض المتوسط حيث ادخل في مجاله اسبانيا وصقلية والجزر المتوسطية ومداخل فرنسا البحرية . وعندما كان الغرب ينزف في عصوره الوسطى ، كان الإسلام ينشر تفاصيل حضارته في المجتمعات المنفتحة عليه بدون تحفظ ، وظهر الى العالم كأفضل انموذج حضاري ، في الوقت الذي واظب فيه على تقدمه وتثبيت اقدامه في الهند واندونيسيا والصين والامتدادات الاسيوية  الاخرى، وذلك منذ اواسط القرن الرابع عشر الميلادي . ولم ينقص الغرب سوى دخول العثمانيين الى اوروبا حتى تزداد عنده حدة الرعب من انتصارات الإسلام ومن الامتداد المتزايد لعالميته الدينية والحضارية" .

  ثانيا:" خصوصية الممانعة الثقافية التي واجه بها الإسلام الغلبة الغربية وانموذجها الحضاري ، فاذا كان صحيحا ان معظم الثقافات بدت منهارة القوى اثر خضوع شعوبها للسيطرة الغربية ، فان ماهو صحيح اكثر ان هذه السيطرة نفسها قد استقرت وتنامت في كل مكان وصل اليه الفاتحون الجدد ، باستثناء ارض الإسلام حيث كانت اوروبا تواجه ممانعة فكرية وتتلقى الضربات . " ويصدق هذا بجلاء على التجربة البريطانية في الهند والتجربة البرتغالية في جزر الهند الشرقية ، والصين واليابان ، وعلى التجربتين الفرنسية والايطالية في اقاليم مختلفة من الشرق ، وكان ثمة امثلة متقطعة لمواقف متصلبة للسكان الاصليين تحاول خلخلة السكينة الناعمة كما حدث في 1638 ـ 1639 حين طردت مجموعة من المسيحيين اليابانيين  البرتغاليين من المنطقة ، الا ان الشرق العربي والإسلامي ، بشكل عام ، كانا الوحيدين اللذين واجها اوروبا بتحد لم يجد له حلا على الصعد السياسية ، والفكرية ، ولزمن قصير الاقتصادية ايضا " ...

 وكنموذج لفوبيا الإسلام في الغرب حاول الدكتور فوازجرجس رصد الإسلام والمسلمين في ذهن اميركا ، وصور المخاوف فتوصل الى أن الاهتمامات الامنية والاستراتيجية جعلت من الإسلام والمسلمين انباء صادمة نفسيا في ذهن اميركا ، وعلى نحو خاص كان للثورة الإسلامية في ايران وما اعقبها من ازمة رهائن ، تأثير هائل على الادراك الحسي للولايات المتحدة اضف الى ذلك ان الخوف من الارهاب والاستحصال على اسلحة نووية اثر ايضا على تكوين الآراء الشعبية والرسمية الاميركية تجاه "الإسلامويين"حسب تعبير جرجس،"ويساوي كثيرون من مواطني الولايات المتحدة بين الإسلام والمسلمين من جهة وبين الارهاب الداخلي والدولي على السواء من جهة أخرى كما يرى الإسلام السياسي مهددا لاستقرار الدول الخليجية المنتجة للبترول ولقدرة عملية السلام العربي ـ الاسرائيلي على البقاء ، وهذان اثنان من أهم الميادين الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط حاليا ونتيجة ذلك ان أصحاب القرار في الولايات المتحدة يجدون صعوبة متزايدة في انتهاج سياسة تكيفية ونوافقية مع الإسلامويين" ..

  ويؤكد ريتشار بولت ان الاميركيين كانوا مستعدين جدا لتقبل الفكرة القائلة ان أعمال العنف التي ارتكبها بعض المسلمين " ممثلة لثقافة متعصبة وارهابية من غير الممكن التسامح او التفاهم معها " وأعرب بولت من ان الوقت الحاضر نمى نوعا جديدا من معاداة السامية قائم لاعلى نظريات العرق السامي وانما على الإسلام " لسوف نصل في وقت ما الى عتبة عدم احتياج الناس الى ادلة لتصديق ان اي تهديد ارهابي هو من متطرفين دينيين مسلمين " وصب بعض المراقبين مزيدا من الوقود على النار المستعرة بتحذيرهم من وجود شبكة دولية منسقة من جماعات " الارهاب الإسلامي في مختلف انحاء الولايات المتحدة موجهة بنادقها الى المصالح الغربية وعلى الرغم من عدم وجود ادلة على " اسلامية دولية " ظهرت للعيان فقد ألحق تفجير مركز التجارة العالمي اضرارا فادحة بصورة المسلم ووجوده في الولايات المتحدة وكما علقت صحيفة " نيويورك " فان عملية التفجير ربطت " المسلمين والارهاب الداخلي معا في اذهان العديد من الاميركيين " وبالتالي حولت المسلمين الى اهداف مسعورة للتفرقة العنصرية والمحاباة السياسية مثالا على ذلك سئل الاميركيون في استطلاعين للاراء اجريا مباشرة بعد التفجير عن مواقفهما من الإسلام فقال اكثر من خمسين في المائة ان المسلمين معادون للغرب ولأميركا ومن بين المجموعات الدينية المختلفة التي طلب من المستطلعة آراؤهم تصنيفها الاقل استحسانا لديهم تصدر المسلمون القائمة..وفي هذا الجو المشحون تحول المسلمون في الولايات المتحدة بعد تفجير اوكلاهوما ستي الى اهداف للتحرشات والمضايقات ففي الايام الثلاثة التي تلت الانفجار سجل اكثر من مائتي هجوم متسم بالعنف على اميركيين مسلمين وزاد انفجار اوكلاهوما ستي في كشف العدائية والتصوير السلبي اللذين تتصف بهما وجهات النظر الاميركية العامة تجاه الإسلام والمسلمين وبهما ايضا تصطبغ في لحظات التأزم والازمات يحقق دعاة المجابهة والتصدي الغلبة ويهيمنون على وسائل الاعلام وفي هذه الآونات بالذات تتصلب مواقف الاميركيين تجاه العرب والمسلمين هذا ما تؤكده بضعة استطلاعات للآراء ..ويوافق صامويل لويس وهو مدير سابق لهيئة موظفي التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الاميركية على ان تغطية الاعلام العدائية ل " المجموعات الإسلاموية المتطرفة " تعزز مدركات الاميركيين الحسية للاسلام وتتعقد بذلك مهمة واضعي السياسة الاميركية ، ووفقا لاستطلاع آراء باشراف سلايد ، اصبح التصوير الاعلامي السلبي للمسلمين جزأ من الشعور العام وتؤثر التغطية الاعلامية للسياسات الإسلامية على الطريقة التي يضع فيها المسؤولون الاميركيون بدائل السياسة وأولوياتها في سياقها المطلوب .

  وعن دور الدراسات الاكاديمية قدمت الدكتورة سالمة عبد الجبار شهادة المؤلف البريطاني " أرسكين تشليدرز " في كتابه " الغرب والإسلام ـ هتك الذاكرة والخصام " حيث انطلق الباحث من حقيقة أن الغرب لم يحاول فهم الإسلام في أي وقت من الاوقات ، لكنه ظل دائما رافضا ومعاديا له ، ولذلك فان صورته ظلت مشوهة بصورة مطلقة في الوجدان العام . وما يحدث الآن تحيز غربي ضد الإسلام والحديث المعلن عن العدو الجديد والتخطيط الاستراتيجي لتصدير الأصولية وصناعتها وفق الرؤية الغربية ذلك كله لا يمثل موقفا جيدا بقدر ما هو اعلان عن حقيقة الكامن والمخبوء في الوعي الاجتماعي للعالم الغربي واستقر ذلك الانطباع وتجذر في الماضي والحاضر ليس فقط في عموم وجدان الناس ولكن ايضا في داخل الدوائر الأكاديمية في القرن العشرين ، ففي الدراسات الغربية المعاصرة للثقافات الأخرى ، نرى أن أغلبية الباحثين ركزوا على التفاعل بين الهندوسية والبوذية والكونفوشيوسية وغيرها من ملل غير المؤمنين بوجود اله واحد بينما عنيت قلة بالإسلام كما عمدت نسبة كبيرة من الباحثين في أهم الأبحاث لدراسة التفاعل الثقافي بين الغرب والشرق الى تجاهل الإسلام عمليا . وتلاحظ الدكتورة سلمى بان وجهة النظر الغربية عن الإسلام حتى أواخر القرن العشرين ظلت تتشكل منطلقة من الخوف والعداء والأحكام المسبقة ولم تتضمن عمليا أي اعتراف بميراث الإسلام الثقافي الذي نقله العرب فالامر الذي أوقع الغربيين في حالة من فقدان الذاكرة الجماعية وخلص تشيلدرز في دراسته عن الغرب والإسلام الى انه مادامت الدول الغربية تتصرف بصورة غير ديمقراطية بهذا العمق في سياستها الخارجية تجاه العالم الإسلامي وما دام المسلمون يشهدون ذلك التحيز المفضوح ضدهم الشبية بالعنصري من جانب الغرب فان فرص قيام حوار مفتوح بين الطرفين هي فرص مظلمة حقا .

  هذا الرأي يفرضه تشيلدرز كما تقول الدكتورة سالمه عبد الجبار، انما يقدم الدلالة الواضحة على أن حملة التضليل كان الإسلام هدفها وضحيتها في التجربة الغربية هذه التجربة تسعى الى تثبيت الصورة المظلمة عن الإسلام في الوجدان البشري عامة ، واعتبرت الدكتورة سلمى بأنه ليس من المبالغة القول بأن ثمة ثقافة جديدة يروج لها الآن تشوه الإسلام نظرا لكونه مشروعا حضاريا وتسعى الى تلويث تجربته ورموزه وتاريخه ليس في الوجدان الغربي فقط وانما تحاول ان تصل الى الذات المسلمة لتلويث الوجدان الإسلامي وتنفيره من كل ما هو اسلامي

 وترى المستشرقة هونكه من خلال كتاباتها الاخيرة ان هناك سببا معينا في كون الاحكام الظالمة المتعسفة الموروثة عن القرون الوسطى لاتزال حتى يومنا هذا على خطئها وخطرها تسد الطريق على المعرفة الموضوعية للنواحي الفكرية والعقلية للعالم العربي ودينه وتاريخه وحضارته وفي كونها حتى يومنا هذا تصيغ المغالطات والتحريفات التاريخية في مجال المعلومات العامة عن العرب بصبغة يبدو انها لا تنمحي او تزول وهذا السبب كما ترجعه الى " اصرارا الغرب على دفن حقيقة العرب في مقبرة الاحكام المتعسفة والافتراءات الجماعية دفنا واهال عليها ما اهال طمسا لمعالمها على الرغم من محاولاتنا المعروفة كما يشهد بذلك كتابنا " شمس الله تسطع على الغرب " ...حيث اخذنا على عاتقنا ان نخرج الى النور اهم الانجازات والتأثيرات العربية ذات الفضل على العلوم والفنون في اوروبا . وعلى الرغم من ان محاولاتنا تلك قد شقت طريقها في متاهات عدم المعرفة المتوارثة فقد استقر في اذهان السواد الاعظم من الاوروبيين الازدراء الاحمق الظالم للعرب الذي يصمهم جهلا وعدوانا بأنهم رعاة الماعز والاغنام الاجلاف لابسو الخرق المهلهلة ولايزال صراخ القوم يحذرهم من سطوة الإسلام الحربي الذي يتهددهم منذ اوقف الفرنسي شارل مارتل زحف المسلمين متحينا الفرصة للانقضاض ولا يزال القوم يروجون للخرافات السائدة هنا مثل " استعباد الإسلام للمراة " وقل مثل ذلك في " عدم التسامح والسماحة " في الدين الإسلامي مما يطغي منذ قرون ليصبغ او يشكل واقع الدعايات المغرضة المزيفة للواقع والحق والمنادية بالويل والثبور وعظائم الأمور تؤجج من جديد اجهزة الاعلام الغربي المتباينة من أوارها المسعور سواء في ذلك بالمحاضرات او بالصحافة ووسائل البث المسيطرة والسياسة المتحيزة غير المنصفة"

 ولعل خير من سلط الاضواء على بعض ما تقوم به المؤسسات الاكاديمية من دور تحريضي هو البروفيسور ادوارد سعيد في كتابه " الثقافة والامبريالية " وفيما يخص موضوعنا فقد استعرض علاقة الغرب بالإسلام من خلال التأكيد على وجود صراع بين تيارين في الغرب واميركا "بين من يرون في الإسلام خطرا بديلا للشيوعية وبين من لايعتبرونه كذلك ويدعون الى الحوار، وفي معرض مناقشته لطبيعة وتفاعلات هذه الحوارات قال سعيد ان المزعج ان التيار الذي يقول ان الإسلام خطر هو تيار قوي وصوته مسموع ومدعوم باجهزة الاعلام"

عادل ابوبكر الطلحى
Adel_1976_2010@yahoo.com

05 -01 -2007

الي اعلى الصفحة


مغالطات تفسيرية حول تولى المرأة السلطة القضائية 

ردا على الأستاذ إبراهيم بشير الغويل

لقد دعاني إلى اختيار هذا الموضوع مجموعة عوامل التي استميحكم عرضها لنضع الارضية المشتركة للفهم المتبادل ، ولنتحدث بلغة واضحة ،العامل الأولى هو اننى ذات مرة كنت فى مجلس الأستاذ إبراهيم الغويل وكان حديثى معه حول مدى مشروعية تولى المرأة القضاء وقد لحظت من كلام الأستاذ إبراهيم  انه من الذين ينكرون هذا الحق . العامل ثاني هو تجدد هذا  الناقش والحوار حول ذات الموضوع ولكن هذه المرة يختلف المجلس حيث طرح فى جلسة ضمت مجموعة من الأخوات المحاميات مع عدد من البحاث و المختصين فقد كنت من الصف الذي يعطى المرأة الأحقية  فى تولي القضاء ، العامل الثالث ان مشاركة المرأة الليبية فى الحياة العامة ما تزال اقل بكثير من مشاركة الرجل ، هذا بالرغم من وجود تشريعات لاتميز بين الرجل والمرأة فى حق المشاركة فى المناصب القيادية ، غير ان الامر يتعلق بالواقع الاجتماعى الموضوعى الذى جعل من مشاركة المرأة فى جميع الميادين الاجتماعية ، باستثناء الاسرة والمنزل ـ محدودة جدا ، وهذه قضبة يطول الحديث فيها ، فعودة الى موضوعنا نقول ان الشريعة الاسلامية لم تحرم تولى المرأة القضاء إطلاقا إذ لا يوجد نص شرعي فى القرآن الكريم والسنة المطهرة يحرم ذلك او يجعله مكروها وقد قال الله تعالى فى محكم كتابه العزيز (( ما فرطنا فى الكتاب من شئ)) فهل يغفل القرآن قضية هامة تتعلق بالفصل فى محاور حيوية هى الدماء والأموال والأعراض والعلاقات الانسانية ؟ هذه الحقيقة توصلنا الى ان موضوع قضاء المراة هو قضية فقهية اجتهادية بحتة ومن العلماء المتقدمين جاء للكاسانى (( واما الذكورة فليست من جواز التقليد للقضاء فى جملة لان المرأة من اهل الشهادة الجملة الا انها لا تتقاضى فى الحدود القصاص لانه لا شهادة لها فى ذلك واهلية القضاء تدور مدار اهلية الشهادة )) وقد ذهب الى ذلك ايضا الاحناف حيث أجازوا قضاء المرأة ولكن فى غير الحدود والجنايات . ويرى ابن جرير والطبرى عكس ذلك و يطلقان جواز قضائها دون تحفظ ويقيسون ذلك على الاطلاق لولايتها العامة وذهب الى ذلك الخوارج الذين اجازوا ان تتولى المرأة منصب الامامة العظمى . فالقضاء من باب اولى . ومن ايرز العلماء ممن خاضوا فى هذا المجال العلامة القرضاوى وله عدة مؤلفات فى ولاية المرأة يتلخص اجتهاده فى انه لايمتنع شئ من الولاية عن المراة الا الخلافة التى تجمع أمر المسلمين فى اصقاع الارض المترامية كما ان المالكية التى هى مذهب دولتنا اجازوا المرأة الوصاية والوكالة اى ان تكون وصية او وكيلة فى الخصومات والعقود وقد نفذ عدد من المعارضين عبر التاويل الخاطئ لبعض احاديث الرسول عليه الصلاة وسلم ( ان النساء ناقصات عقل ودين ) وهى اشارة فسيولوجية بحتة ومثبتة علميا على هذا النحو فتنقص عبادتها بالاعذار الشريعة كالحيض والنفاس وييختلط تفكيرها بالعاطفة وهو امر ضرورى لاحداث التوازن الطبيعى فى الحياة ولكن لاتاثير للعاطفة على قضائها ولان الرجل ايضا لديه قدر من العاطفة ومنهم  من هو ضعيف الشخصية قليل الذكاء والادراك ولايتوجب ان تشفع له ذكورته ليكون قضاؤه جائزا ، من ناحية اخرى فان الاحتكام مهما يكن قدر العاطفة يكون بنصوص قانونية اشراف على اعدادها وصياغتها فطاحل العلماء واجازتها جهات تشريعية وهو ما يشكل صمام امان يكبح جماح العاطفة عند المرأة والرجل على حد سواء اما الحديث الاخر للرسول عليه الصلاة والسلام (( لا افلح قوم ولوا امرهم امراة )) فقد لوى عنقه ليا حيث ورد فى المناسبة معنية وقد قاله عليه الصلاة والسلام على صيغة الدعاء على اعداء المسلمين وذلك عندما علم ان الروم تتزعمهم امرأة وهو ايضا تنبؤ سياسى بزوال دولتهم  وكانت ابنة كسرى فى موقع الولاية العامة ولم تكن قاضية ولا ينبغى تحميل هذا الحديث اكثر من اهدافه وجعله قياسا نستصدر منه قاعدة شرعية او حكما عاما وقد اهتم فى هذا الامر عدد من الباحثين والمعنين بقضايا المراة وقدموا التفسيرات الواضحة فى هذا الامر . وفى الواقع العلمى لم يول الرسول عليه الصلاة والسلام  امرأة على القضاء لان ذلك لم يكن متاحا حتى للرجل فالرسول عليه السلام مكلف بادارة جيمع شؤن المسلمين بما فيها نزاعاتهم الشخصية والحقوقية ، ثم عندما بدا تولى الرجال القضاء بفعل توسيع الدولة الاسلامية وكثرة مهامها لم يكن ذلك دليل تحريم ولكنه دليل عدم الوجوب . وهنالك وقائع عملية فى عهد الرسول عليه السلام تؤكد هذه الحقيقة وتدحض الموضوعية التى ادعى بها المعارضون واستمدوها من تاهيل احاديث الرسول عليه السلام . من هذه الوقائع تولية الرسول عليه السلام المراة سلطة الافتاء اخذوا نصف دينكم من هذه (( الحميراء )) ويقصد بالحميراء السيدة عائشة ( رضى الله عنها ) والافتاء فى رأينا اخطر من القضاء من حيث قوة تاثيره وتعميمه جغرافيا على نطاق واسع من بقاع المسلمين ومن حيث انه يظل متوارثا و مستندا اليه كلما اثيرت المشكلة موضوع الفتوى ، ولا يخفى ما تتطلبه الفتوى من سعة العلم ورجاحة العقل وقدرته على التحليل والاستنباط والتفسير وقوة الذاكرة والثقة المطلقة فى النفس ، ولم يكن الرسول عليه السلام عند تكليفه امرأة للقيام بالافتاء على مشقته الا واثقا فى قدرتها التى تؤهلها لهذه المهمة الشاقة ، اما الحكم القضائى فهو واقع على مصالح محدودة قد تكون عينا اوبشرا  ، ناهيك عن ان الحكم عرضة للرجوع والالغاء من خلال الاستئناف بدرجاته ، فهل يا ترى القادرة على الفتوى غير قادرة على القضاء ؟ وقد عمل ( عليه الصلاة والسلام ) بمشورة ام سلمى يوم صلح الحديبية وسميت مستشارة الرسول ان تلك الاستشارة ليست عجزا من الرسول وهو الذى يوحى له ولا ينطق عن الهوى وانما هو بتلك الاستشارة يرسى نظام دولة ويوسس للمشاركة المرأة فى هذا النظام !!
وقد استشار المرأة سيدنا عمر بن الخطاب واقر حقها فى نقد الحاكم وامن بصواب رأيها حين قال عبارته المشهورة (( اصابت امرأة واخطأ عمر )) وهو الفاروق )) الذى لا يشق له غبار فى التفريق بين الخطأ والصواب . ومما لا شك فيه ان استشارة النساء فى امور الدولة  العامة دليل اقرار الاسلام لاهليتهن فى ممارسة الحقوق السياسية بما فيها توجيه سياسية الدولة من خلال نقد الحاكم ومحاسبته وهو ما يعد تمكينا سياسيا ان لم يكن موقعا للقرار مادام استمع ونفذ وحين نورد هذه الامثلة انما نوسع الطريقة امام القاضية لا لتتمكن من الفصل بين الناس فى اروقة المحاكم وانما لتتسلم ايضا مقاليد القرار بعموم المؤسسة القضائية ومنها المجلس الاعلى للقضاء الذى يعتبر اعلى مؤسسة قضائية فى ليبيا . وفى عهد عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه ) تعينت بقرار منه اول قاضية فى الاسلام وهى الشفاء بنت عبدالله بن عدى المخزومية وقد ولاها على نظام الحسبة فى السوق او كما يسمى ذلك البعض قضاء الحسبة وقضاء السوق وجعلها تفصل فى المنازعات التجارية والمالية وهى بمثابة قاضى محكمة تجارية فى يومنا هذا .  وقد قال البعض انها بمثابة وزير مالية . والعبرة ليست فى التسمية وانما فى حقيقة المهام التى تؤديها . وقيل ايضا ان ام الخليفة المقتدار تولت رئاسة محكمة استئناف بغداد !  والمستعرض والباحث فى المصدر الاصيل لاحكام الشريعة ( القرآن الكريم ) لن يجد تحريما او كراهة لسلطة المرأة بل سيجد التعظيم والتمجيد . فالله سبحانه وتعالى : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر )) وسنلاحظ هنا التعميم فى الخطاب الالهى فهو موجه لكافة المؤمنين والمؤمنات ، ولفظ الولاية ورد واضحا وصريحا وهو الأمر الذي نفهم منه المساواة بين الرجل والمراة فى ممارسة حق الاشراف على امور بعضهم بعضا . وبطبيعة الحال فان الامر بالمعروف والنهى عن المنكر قاسم مشترك فى جميع اعمال السلطات بما فيها السلطة القضائية لان القضاء فى حقيقته ما هو الاجملة من اوامر الاداء والامتناع . اداء للمعروف والمنكر لا يخضع لمزاج القاضى وانما هو عبارة عن مواد قانونية تم افراغها فى قوانين والنظم واللوائح ابان فيها المشرع ما يجب ان يودى ان نمتنع عنه ويعتبر الاتيان به فعلا مخالفا للقانون يستوجب العقاب .

 

عادل ابوبكر الطلحى
Adel_1976_2010@yahoo.com

03 -01 -2007

الي اعلى الصفحة


الفن الممتع والعالم الخصب أدب الأطفال

حاورته على استطيع الاقتراب من أفكاره ، اتفقت معه في الكثيرة من الأشياء واختلفت معه في بعض أشياء ، غير اننى سعدت بذلك الحوار الهادي المثمر الذي دار في  مقهى فندق الصفاء بطرابلس ، بيني وبين القاص المبدع يوسف بالريش ، الذي أكن له الإعجاب والتقدير  ،كان الحوار يدور حول أدب الأطفال ، كرس الأستاذ يوسف بالريش وقته وجهده لهذا الحقل الادبى الجميل الممتع ، وهذا ما دفعني لكتابة هذه المقالة .
ان أهم ما يميز أدب الأطفال أنه يتمثل في كشف جوانب معرفية للطفل  وإضاءتها  ، وتقديم مادة ما بمستوى أدبي  مع التركيز على كيفية عرضها ، وكذلك في التوجيه والإيحاء من خلال النص بأسلوب ميسر . إنه يعمد إلى  إشباع حب الاستطلاع لدى الطفل، وإلى تنمية خياله ،  وإلى  مخاطبته حول طبيعة الإنسان والإنسانية عامة وإنجازاتها، وصولاً إلى استكشاف العوالم المختلفة حوله .
هذا الأدب عليه أن يوفر المتعة والفهم ومحاولة ترك الأثر- أثرٍ ما في نفسية الطفل وفي أفعاله.
إن أدب الطفل هو  مفتاح لولوج عالم الأدب عامة، فمن واجباته أن يخلق الثقة لدى الأطفال، وأن يخلق بديلاً للواقع – غير المرضي عنه أحيانًا - أو موازيًا له، وأن يقدم الأمان العاطفي أو الروحاني، وكذلك أن يغرس الشعور بالانتماء، ويوثق روابط المحبة مع من حوله. وأهم من ذلك أن يحفز الطفل على استقلاليته ، بحيث
يدعوه إلى أن يتغلب على المصاعب ضمن رؤية هادفة ، هذه الرؤية التي ترى أنه  لا بد له من تضامن أو تعاون مع الآخرين.
 فإذا انطلقنا من ضرورة استقلاليته عرفنا أهمية أن يقوم هو بفعاليات تساعده على أن يتم عمله وينجزه بنجاح.... ويبني شخصيته لبنة لبنة .
ولا يدعي أحد أن هذه التوقعات أو الافتراضات ستكون كلها في نص ما، فحسب الكاتب أن يضع نصب عينيه موضوعة مركزة أو اثنتين ليقرب النص إلى عالم الطفل وأدبه.
إن المنشود في كتاب الطفل أن تكون محتوياته وتصميمه ولغته تؤدي بالطفل إلى  متعة شعورية وجمالية، و إلى أن تثري عالم الطفل بالتجارب...
وقد تكون في كل نص شخصية أو أكثر يتعاطف معها الطفل، وقد تكون مُرْسَلة أخلاقية معينة يتحمس لها الطفل، أو تكون وسيلة ما لاكتساب المعرفة ولزيادة مكنز معلوماته ، ولكنها لن تكون خالية من أي مضمون – كما يحلو لبعض أنصار التجديد في هذا الحقل  .
النص بدءًا يفترض أن يحول الطفل  إلى قارئ مستقبلي، ولا يخفى أن اللغة المنتقاة هي التي تحسن ذوقه الفني وتطور حسه الجمالي وتحمل المداليل والمضامين المبتغاة. فليس بدعًا أن نرى أطفالنا يكررون عبارات حفظوها، وبهذا يثرون لغتهم هم، وبذلك يطورون الوعي الذاتي والفكري.
وإذا كانت اللغة هي المقياس الأول في النص الأدبي عامة ، حيث لا يهمنا أولاً ماذا نقول، بل يهمنا كيف تقول- فإن هذا ينطبق أكثر ما ينطبق  على أدب الأطفال . فاختيار الألفاظ ذات الإيقاع، والتكرار غير الممل، واستخدام المحسنات من سجع وجناس وطباق وازدواج، وبناء الجمل القصيرة والمعبرة التصويرية تجعل النص محبَّبًا لدى الطفل...
ثمة أنواع للقص الذي يلائم الطفل، ولا أرى هنا أن أصنفها -  هذه لهذا الجيل، وتلك لذاك، ولكنني أرى أن لغة حكايات الجن والسحرة والأسطورة تختلف عن لغة القصة على لسان الطير والحيوان، عن القصة الشعبية، عن القصة التاريخية، عن قصة من وحي الطبيعة، عن قصة دينية، عن قصة فكاهية، وكل واحدة من هذه تختلف عن الأخرى.
والمسرحية-  وهي قليلة في كتابتنا-  تحاسبنا كل كلمة فيها  ونحاسبها في مدى توظيفها ونجاعتها وتوصيلها  ، وذلك حتى تكون المسرحية ناجحة.
ولست أرى لغة الشعر بعيدة عن هذا الحرص الشديد  الذي نعمد إليه في اختيار كل لفظة ولفظة...
من المآخذ التي أراها في أدبنا للأطفال أنه لا يحدد على أغلفة الكتب المستوى المعدّل أو معدّل المستوى  ، كأن يُكتب على الغلاف – معد لأبناء الرابعة-السادسة -. مثلاً، بل يتركون للآباء أن يتصفحوا وأن يقرءوا، وأن يقرروا، بينما كان من المفروض تبيان الفئة العمرية من جهة ، وتظهير الكتاب ببضعة سطور تبين المضمون / الملخص الذي يعالجه الكاتب. وبهذا نوفر على الآباء جهد التصفح والقرار، ذلك لأن القرار السريع من قبلهم  قد يكون غير موفق.
يلجأ بعض كتاب أدب الأطفال إلى العامية تيسيرًا على الأطفال. وهذه قضية ذات خطورة  وخطرة ، إذ من الضرورة أولاً أن نعوّد الطفل على اللغة التي سيعايشها في كتب المستقبل. أما أن نسوّق العامية فهذا ضرب من الخطاب اليومي العابر - أسوة بالنكتة والأغنية الشعبية والحكاية    ، ورغم أن هذه جميعها هي من صميم الواقع حقًا، لكنها لم تدخل حتى الآن دائرة الأدب العربي سواء في أدب الكبار أو الصغار.
ولرب سائل يسأل: كيف نميّز بين أدب الكبار والصغار؟
 والإجابة في تقديري تتأتى في المستوى اللغوي وفي الأداء، وسأسوق مثلاً:
من أدب الكبار نقرأ هذه الفقرة :
" اهتز الحصان بنشوة. كان متفوقًا بعد أن بز سائر الخيول في السباق وحصل على قصب السبق . فلما أُعلن عن فوزه كانت أعين الناس ترنو إليه بإعجاب."
أما في أدب الصغار فسنرى نفس الحدث بلغة أخرى:
" أسرع الحصان الأبيض الجميل، وكان يرفع رأسه وهو يجري ويجري ويجري... حتى فاز وسبق كل الخيول التي كانت تباريه. ولما انتهى السباق أخذ يحرك جسده وكأنه يرقص. وكان سامي ينظر إليه بإعجاب وهو يصفق."
بالطبع لاحظنا أن المستوى اللغوي اختلف في النص الثاني، كما رأينا الحركية والدرامية والوصف الحسي ملائمًا لعالم الطفل ولخياله ، بالإضافة إلى مشاركة الطفل ووضعه في مركز الحدث .
تبعًا لذلك فاختيار الألفاظ والتعابير يجب أن تلائم العمر أو الفئة العمرية ، فمن المشكلات التي يقع فيها كاتب النص للأطفال أنه يكتب المضمون السهل الميسر الملائم لأبناء الخامسة مثلاً في لغة أعلى  تلائم سن العاشرة، وذلك بقاموس لغوي لا يتوافق مع مضمون النص ، ولست بحاجة لتقديم نماذج على ذلك، فهي أكثر من أن تحصى ،  فاقرأ نموذجًا مقدّمًا لأبناء الخامسة - كما تبين لنا  من مادة المضمون - ، ولكن الجمل التي سأذكرها هي دون أدنى شك تلائم طلابًا في العاشرة فما فوق :
" كنت كلما اقتربت من هذه المجموعة التي تحلقت حول والدي لأستطلع الأمر الذي عزموا عليه خفضوا أصواتهم... حتى علمت أنهم يخفون شيئًا مريبًا ". 
وهناك من جهة أخرى من  يجعل الموضوع أو الفكرة التي تلائم أبناء العاشرة في لغة مبسطة  وكأنه يخاطب أبناء الخامسة أو السادسة.....
 من هنا، فثمة ضرورة لمن يكتب أدب الأطفال أن تكون لديه ثقافة خاصة - ذات معرفة أصولية لغوية ،  ومتابعة تربوية ، وقدرة على إجراء الموازنات الملائمة ...
 ولن أتحدث هنا عن الرسوم التوضيحية التي يكون بعضها  تضليليًا  أو على الأقل بعيدًا  عن روح النص ،  وهي أكثر من أن تُحصى ، فهي جزء من الشكل ولغة النص على مستوى التشكيل .
على ضوء ذلك يجدر الاهتمام بأن يكلف كل مؤلف مدققًا لغويًا، بحيث يراجع اللغة كلمة كلمة وشكلاً شكلاً لكل حرف وحرف، فكيف نجيز مثلاً : ثمانية شّمْعات في كتاب "عيد ميلاد شادي" والصواب ثماني شَمَعات؟ وهل فحصت المؤلفة كيف يكون خبر كان (موافقون) أم (موافقين)؟
 ذكرت هنا  نموذجًا عارضًا  لا يمثل أصلاً الكثرة الزاخرة من الأخطاء الحاشدة في الكتب...
أصل إلى القول إننا  بحاجة إلى  البحوث والدراسات الميدانية التي تحدد مستوى النمو اللغوي لدى أطفالنا، بل ثمة ضرورة ملحة  لوضع اطر أدعوها "أطرًا احتمالية" – بمعنى أن الطفل يحتمل بل يرجح أن يدركها ،  وان يستوعبها ، وأن يستخدمها . ذكرت لي بعض  المعلمات في مساق قدمته لهن:
وهذه الأطر المقترحة ستُعنى أيضًا بضرورة إضافة مراقبَة لبعض الكلمات الجديدة الهامة في الميدان الذي يخوضه الكاتب ،  وذلك من منطلق إثراء معلوماته وإكساب مفرداته ،  والتعريف بها ،  وبالتالي تحدي معرفة الطفل في مجال تطوره.
لا إنكار أن كل محاولة للتحديد سواء في الفئات العمرية الملائمة لهذا الضرب أو ذاك أو في الأطر الاحتمالية التي أشرت إليها ستأخذ بنظر الاعتبار الذكاء الفردي أو البيئة التي يعيشها هذا الطفل أو ذاك.
فالكتابة للأطفال تستلزم تخصصًا وممارسة ومعايشة للأطفال، وتستلزم متابعة ودراسات متعمقة في اللغة وفي أصول التربية وعلم النفس، وإلى تبيّن مراحل الطفولة وخصائصها. وأولاً وقبلاً إلى معرفة بالقواعد السليمة للكتابة الأدبية وإدراك الأفاق التي يحلق فيها الأطفال ومدى ملاءمة المعاني لقاموسهم اللغوي المنتقى بعناية وتصميم.

عادل ابوبكر الطلحى
Adel_1976_2010@yahoo.com

27 -12 -2006

الي اعلى الصفحة


العمل الاهلى في ليبيا .. الواقع وآفاق المستقبل

يعتبر العمل الاهلى من أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بمكانة المجتمعات في عصرنا الحالي, ويكتسب العمل الاهلى أهمية متزايدة يوماً بعد يوم, فهناك قاعدة مسلم بها مفادها أن الحكومات, سواء في البلدان المتقدمة أو النامية, لم تعد قادرة على سد احتياجات أفرادها ومجتمعاتها, فمع تعقد الظروف الحياتية ازدادت الاحتياجات الاجتماعية وأصبحت في تغيّر مستمر, ولذلك كان لا بد من وجود جهة أخرى موازية للجهات الحكومية تقوم بملء المجال العام وتكمّل الدور الذي تقوم به الجهات الحكومية في تلبية الاحتياجات الاجتماعية, ويطلق على هذه الجهة " المنظمات الأهلية ". وفي أحيان كثيرة يعتبر دور المنظمات الأهلية دوراً سباقاً في معالجة بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وليس تكميلياً, وأصبح يضع خططاً وبرامج تنموية تحتذي بها الحكومات.
لقد شهد العمل الاهلى عدّة تغيّرات وتطورات في مفهومه ووسائله ومرتكزاته, وذلك بفعل التغيرات التي تحدث في الاحتياجات الاجتماعية, وما يهمنا هنا التطورات التي حدثت في غايات وأهداف العمل  الاهلى, فبعد أن كان الهدف الأساسي هو تقديم الرعاية والخدمة للمجتمع وفئاته, أصبح الهدف الآن تغيير وتنمية المجتمع, وبالطبع يتوقف نجاح تحقيق الهدف على صدق وجديّة العمل الاهلى وعلى رغبة المجتمع في إحداث التغيير والتنمية. ومن الملاحظ أن العمل الاهلى بات يعتبر أحد الركائز الأساسية لتحقيق التقدّم الاجتماعي والتنمية, ومعياراً لقياس مستوى الرقي الاجتماعي للأفراد.
ويعتمد العمل الاهلى على عدّة عوامل لنجاحه, ومن أهمها المورد البشري, فكلما كان المورد البشري متحمساً للقضايا الاجتماعية ومدركاً لأبعاد العمل الاجتماعي كلما أتى العمل الاجتماعي بنتائج إيجابية وحقيقية. كما أن العمل الاجتماعي يمثل فضاءً رحباً ليمارس أفراد المجتمع ولاءهم وانتماءهم لمجتمعاتهم, كما يمثل العمل الاجتماعي مجالاً مهماً لصقل مهارات الأفراد وبناء قدراتهم.
وانطلاقاً من العلاقة التي تربط بين العمل الاهلى والمورد البشري, فإنه يمكن القول بأن عماد المورد البشري الممارس للعمل الاهلى هم الشباب, خاصة في المجتمعات الفتية, فحماس الشباب وانتمائهم لمجتمعهم كفيلان بدعم ومساندة العمل الاهلى والرقي بمستواه ومضمونه, فضلاً عن أن العمل الاهلى سيراكم الخبرات وقدرات ومهارات الشباب, والتي سيكونون بأمسّ الحاجة لها خاصة في مرحلة تكوينهم ومرحلة ممارستهم لحياتهم العملية.
ورغم ما يتسم به العمل الاهلى من أهمية بالغة في تنمية المجتمعات وتنمية قدرات الأفراد, إلاّ أننا نجد نسبة ضئيلة جداً من الأفراد الذين يمارسون العمل  الاهلى , فهناك عزوف من قبل أفراد المجتمع, وخاصة الشباب منهم, عن المشاركة في العمل الاهلى بالرغم من أن الشباب يتمتع بمستوى عالي من الثقافة والفكر والانتماء وبالرغم من وجود القوانين والمؤسسات والبرامج التي تشجع الشباب على المشاركة بشكل فاعل في تنمية مجتمعهم.
وهذا ما يثير التساؤل عن الأسباب المؤدية إلى عزوف الشباب عن المشاركة في العمل الاهلى اذ يبلغ عدد المتطوعين من الشباب فى ليبيا حسب الدارسة التى اعدها الصاحب المقال لا يتجاوز عددهم عن 6500 متطوع هذه نسبة منخفضة إذا ما قارنت ببعض الدول العربية الشقيقة حيث تعتبر ليبيا ادنى المستويات من حيث مشاركة الشباب فى العمل الاهلى التطوعى ,ويمكن الاشارة هنا الى الدور الذى تقوم به اللجنة الوطنية للعمل التطوعى بالرغم من حداثة تجديد عملها ،سوف تكون لنا معها وقفة خاصة للتعريف بها و اليات عملها والاشكاليات وكيفية تطوير برامجها .   وسأحاول في هذه الوقفة المختصرة تقديم بعض الأفكار التي قد تساهم في الإجابة عن بعض الاستفسارات وإعطاء صورة مبسطة عن واقع مشاركة الشباب في العمل الاهلى التطوعي, آملاً كذلك أن تساهم هذه الأفكار في فتح بعض الآفاق لطموحات الشباب في المشاركة في العمل الاجتماعي التطوعي.
تعريف العمل الاهلى التطوعي:
يمكن تعريف العمل الاهلى التطوعي

"بأنه مساهمة الأفراد في أعمال الرعاية والتنمية الاجتماعية سواء بالرأي أو بالعمل أو بالتمويل أو بغير ذلك من الأشكال. ومن خصائص العمل الاهلى أن يقوم على تعاون الأفراد مع بعضهم البعض في سبيل تلبية احتياجات مجتمعهم, وهذا يقود إلى نقطة جوهرية مفادها أن العمل الاهلى يأتي بناء على فهم لاحتياجات المجتمع.
وتجدر الإشارة إلى أن مساهمة الأفراد في العمل الاهلى تأتي بوصفهم إما موظفين أو متطوعين, وما يهمنا هنا الوصف الثاني. والتطوع هو الجهد الذي يقوم به الفرد باختياره لتقديم خدمة للمجتمع دون توقع لأجر مادي مقابل هذا الجهد.
بشكل عام يمكن أن نصف المتطوع بأنه إنسان يؤمن بقضية معينة, واقعي ومتعايش مع ظروف مجتمعه, له القدرة على الاندماج والتفاعل مع أفراد مجتمعه, ومستعد لتقديم يد المساعدة لرعاية وتنمية مجتمعه.
أهمية العمل الاهلى التطوعي للشباب:

  • تعزيز انتماء ومشاركة الشباب في مجتمعهم.

  • تنمية قدرات الشباب ومهاراتهم الشخصية والعلمية والعملية.

  • يتيح للشباب التعرف على الثغرات التي تشوب نظام الخدمات في المجتمع.

  • يتيح للشباب الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم في القضايا العامة التي تهم المجتمع.

  • يوفر للشباب فرصة تأدية الخدمات بأنفسهم وحل المشاكل بجهدهم الشخصي.

  • يوفر للشباب فرصة المشاركة في تحديد الأولويات التي يحتاجها المجتمع, والمشاركة في اتخاذ القرارات.

إطار العمل الاهلى التطوعي:
يتصف العمل التطوعي بأنه عمل تلقائي, ولكن نظراً لأهمية النتائج المترتبة عن هذا الدور والتي تنعكس بشكل مباشر على المجتمع وأفراده, فإنه يجب أن يكون هذا العمل منظماً ليحقق النتائج المرجوّة منه وإلا سينجم عنه آثاراً عكسية.


وعادة ما يتم تنظيم العمل الاهلى بالأطر التالية:
1. القوانين:
وهي مجموعة القوانين التي تنظم العمل الاهلى وتحدد قطاعاته, كما تنظم إنشاء وعمل المؤسسات الأهلية العاملة في المجال الاهلى  التطوعي.   كقانون 19 الخاص بالجمعيات الاهلية
2. إطار المجتمع:
فكما سبق وأشرنا بأن العمل الاهلى التطوعي يأتي استجابة لحاجة اجتماعية, فهو واقعي ومعبر عن الحس الاجتماعي. وبالرغم من أن انفتاح المجتمعات يؤدي إلى اتساع الخيارات أمام العمل الاهلى , إلا أنه يبقى هناك حد أدنى ن التغيرات الاجتماعية التي يهدف العمل التطوعي إحداثها يرفضها المجتمع.
3. :  الجمعيات والمؤسسات
وهي الجمعيات والمؤسسات الاهلية , فبإمكان الشباب المشاركة في البرامج التطوعية التي تنفذها الجمعيات و المؤسسات الاهلية و كذلك العامة كمدارس والجامعات... الخ, كما يمكن للشباب ممارسة العمل التطوعي من خلال انتسابهم للمؤسسات الثقافية والرياضية... الخ.


المعوقات التي تعترض مشاركة الشباب الاجتماعية:

  • الظروف الاقتصادية السائدة وضعف الموارد المالية للجمعيات والمؤسسات التطوعية.

  • بعض الأنماط الثقافية السائدة في المجتمع كالتقليل من شأن الشباب والتمييز بين الرجل والمرأة.

  • ضعف الوعي بمفهوم وفوائد المشاركة في العمل الاهلى التطوعي.

  • قلة التعريف بالبرامج والنشاطات التطوعية التي تنفذها المؤسسات والجمعيات الأهلية.

  • قلة البرامج التدريبية الخاصة بتكوين جيل جديد من المتطوعين أو صقل مهارات المتطوعين.

  • قلة تشجيع العمل التطوعي.

 التوصيات:

  • إتاحة الفرصة أمام مساهمات الشباب المتطوع وخلق قيادات جديدة وعدم احتكار العمل التطوعي على فئة أو مجموعة معينة.

  • تكريم المتطوعين الشباب ووضع برنامج امتيازات وحوافز لهم.

  • تشجيع العمل التطوعي في صفوف الشباب مهما كان حجمه أو شكله أو نوعه.

  • تطوير القوانين والتشريعات الناظمة للعمل التطوعي بما يكفل إيجاد فرص حقيقية لمشاركة الشباب في اتخاذ القرارات المتصلة بالعمل الاهلى بالخص قانون 19 خاص بالجمعيات الاهلية.

  • تطوير وتحديث اللجنة الوطنية للعمل التطوعى من حيث انشاء برامج تدريبية للمتطوعيين وخلق برامج عمل جديدة تواكب وتتعاطى مع مشكلات المجتمع

  • تشجيع الشباب وذلك بإيجاد مشاريع خاصة بهم تهدف إلى تنمية روح الانتماء والمبادرة لديهم.

  • أن تمارس المدرسة والجامعة واللمؤسسات الرياضية دوراً أكبر في حث الشباب على التطوع خاصة في العطل الصيفية.

  • أن تمارس وسائل الإعلام دوراً أكبر في دعوة المواطنين إلى العمل التطوعي, والتعريف بالنشاطات التطوعية التي تقوم بها المؤسسات والجمعيات الاهلية .

عادل ابوبكر الطلحى
Adel_1976_2010@yahoo.com

27 -12 -2006

الي اعلى الصفحة

 

سجل دخولك و علق على الموضوع

 


 

جالو ليبيا
اخر تحديث: 16/12/2009م.