أردنا الحرية ، ففقدنا الدولة ، ولم ننل الحرية !! .. ؛
..
كلامٌ يبدو مرعبا . لكن الحقيقةَ أن غياب سلطة الدولة قضت على أهم
الحريات وهدمت أحد أركان قيام الدولة وهو " السلطة " التي تقود الشعب
وتؤمّن حياته فوق الإقليم .
فبغيابها تهدَّدت الحريات ، وغُلِب القانون ، وفُتح البابُ على مصراعيه
أمام تكتلات القوة الخارجة عن القانون والمعادية له .. ؛ فلم يعد
المواطن الليبي ينعم حتى بحرية التنقل الآمن من مكان إلى آخر داخل
المدينة الواحدة ! .
.. إنه لم يرَ من الحريات إلا حرية القتل والسطو والإختطاف التي
يمارسها المسلحون دون رادع .. ؛
.. فغياب ركن " السلطة " ، يجعل الدولة تنهار وتفقد كل شرعيتها كـ (
دولة ) .. ؛ فالمجلس الانتقالي مثله مثل المجالس المحلية والحكومة
المؤقتة لا يمتلك السلطة ولا القوة ولا يحتكر السلاح ! .
فهو لا يقدر حتى على إنهاء صراع صغير قد ينشأ بين كتيبتين أو فصيلين فى
إطار تنافسهما على الصلاحيات أو المواقع أو لتحديد من منهما الذكر
المسيطر على تلك البقعة أو الأخرى .. ؛ فالمجلس لا يستطيع استعمال سلاح
لا يمتلكه ! .
فكيف تكون ليبيا دولة والمجلس لا يحكم إلا ورقيا .. والحكومة تتصرف
وكأنها مجموعة من الصمّ والبكم ؛ لا يصغون إلى الشعب ولا يسمع الشعبُ
منهم شيئا!.
( 2 )
تسابق .. وسطو .. وسرقات ممنهجة ؛ فكأن ليبيا تحولت من دولة إلى خزنة
مغلقة يحاول كل فريق فتحها والاستيلاء على ما بداخلها .. ؛
.. لقد نهبوا سفارات البلاد وشركاتها وعقاراتها وحتى مشافيها ! ..
بطشوا بكل ما وصلوا إليه من ملكياتها في الداخل والخارج .. بل وحتى
أملاك المواطنين لم يتركوها بسلام ؛ فكم أنزل مسلّحون أسراً ليبية من
سيارتهم ليستولوا عليها ويتركونهم ليلا في الخلاء !! .
فالكثير من المسلحين تحولوا إلى مليشيات تستولي على أي مكان يشاؤون
الإستيلاء عليه ، .. ولم تسلم منهم حتى المنافذ الحدودية التي تنافسوا
وربما تقاتلوا من أجلها .. ؛ فهي بقرات تدر الكثير من الحليب الذي لا
يعدم مصّاصيه ! .. ؛
. لقد اعتدوا حتى على مقار المحاكم وقاعات القضاء !! .
وأتساءل ما الذي منع هؤلاء المارقين من فعل كل هذا أو بعضه أو حتى شيء
منه في عهد الطاغية ؟ .. هل فقدوا إيمانهم فجأة بعد ثورة فبراير ، أم
كانت اليد الباطشة للقذافي ومعاونية هي التي تردعهم وتردهم عن هذا
السلوك !!؟ .
إنه كلام مرّ .. لكنه الواقع الذي نراه حتى لو أغمضنا أعيننا أو حتى لو
كنا عميانا من الأساس .
( 3 )
والسؤال الأهم : كيف تكون ليبيا دولة وساستها خليطٌ متساوي القوة من
عدوّين ؛ ثوار يعملون على تحقيق كرامة الشعب وأزلام يحلمون بعودة
النظام المهزوم !؟ .. أمّا الشعب ـ الذي بدا واضحا أنه غُلب على أمره ـ
فلم يعد قادرا على حسم هذا الصراع .. ؛
.. فمسؤولونا ، حتى اليوم ، يجهلون أن كل واحد من هؤلاء الأزلام هو
صفحة في كتاب جماهيرية القذافي ، وإن اجتماع هذه الصفحات سيعيدنا بلا
شك إلى نفس الأيام التي اعتقدنا أنها ولّت وطيرتها رياح ثورة الأبناء !
.
فالحال عند مجلسنا الانتقالي وحكومتنا المؤقتة ليس بافضلَ من حال
المسلحين والمارقين على القانون .. ؛ فالمؤسسات ( مؤزلمة ) والسفارات
عشائرية ، وأصحاب القرار لا يمتلكون يدا قوية قادرة على استعادة الدولة
.
كان على المجلس الانتقالي أن يبعد كل المكروهين من عضويته ومن الحكومة
المؤقتة ، وأن يعطل قوانين السلم ويعلن قانون الطوارئ .. الأمر الذي
دأبت عليه كل الدول التي تعرّضت للحروب أو للثورات أو الكوارث أو
الحالات الطارئة .. ؛
.. فالشعب ، بالدرجة الأولى ، يريد الأمن والأمان وإبعاد المكروهين من
كراسي السلطة .. ثم ( يلحقْ ) على الحرية ! .
( 4 )
على
ليبيا أن تخرج من قمقمها الإختياري ، وأن تصحح مسارها وفق المعقول
والمتاح .. وأول ما عليها فعله هو إيجاد زعامات مدنية وعسكرية قوية
لتشكيل ( مجلس رئاسة ) للدولة ، يستلم سلطات البلاد ويخوَّل باتخاذ
كافة التدابير والقرارات الحاسمة ، تحدد له مدة عمله ، وينشأ بضمانات
محلية وإقليمية ودولية تضمن تسليمه السلطة للهيأة المنتخبة بعد استقرار
الأوضاع وتفعيل مؤسسات الدولة والقضاء على المارقين والمجرمين
المتخفّين في جلابيب الثوار .
ويكون عمل ( المجلس الرئاسي ) الحفاظ على وحدة البلاد وهيبتها ومعاقبة
كل المستهترين والمستهزئين بالشعب .. ؛ فيطرد الأزلام من مؤسسات الدولة
، ويعدم القتلة ، ويسترد ممتلكات الدولة المنهوبة ، وينزع السلاح من
أيدي العابثين ، ويهتم بشؤون الشعب ، ويسن القوانين التي تتطلبها
المرحلة ، ويفكك المليشيات التي تهدد الحرية والناس ومؤسسات الدولة .
وليحقق المجلسُ الرئاسيُّ كل هذا عليه أن يشكّل جيشا وطنيا يكون ولاء
عناصره للشعب وللشرعية وليس لقادتهم الميدانيين كما هو الحال اليوم .
كما عليه أن يوزع ثروات البلاد بالعدل بين الأقاليم ، وأن يتشاور مع
الفيدراليين والإنقساميين وأن يدعم إجراء المناظرات بين دعاة
الفيدرالية ومناهضيها ونقلها إلى الشعب مباشرة عبر جميع وسائط الإعلام
لتنوير الشعب ووضع الحقيقة أمامه كاملة ! .
( 5 )
نحن
لسنا في وقت الحديث عن الفيدراليات ، أو تعميق الانشقاقات ، أو تغذية
الانقسامات والمناوشات بين المدن أو الجبهات والتجمعات العسكرية .. ؛
.. إنه وقت تأسيس الدولة وترسيخها ؛ فلا فلاح إلا ببناء الدولة ! . أما
باقي الأفكار والمطالب فستنتظر .. ولن تطير !! .
علينا أن نجمع السلاح ، ولو بالقوة ! . فإن لم نفعل ذلك بإرادتنا ،
فسنجد من يتطوع بذلك ولكن بأسلوب التدمير لا الجمع ! .. فدول التحالف
أو النيتو قد يضربان جميع مواقع تكديس السلاح بحجة ( مكافحة الإرهاب )
، فنفقد السلاح الذي نحتاجه بين أيدينا ، لندافع به عن حياتنا ، ونحمي
به حدودنا ، ونشهره كعصا رادعة في وجه أعداء الشعب من خلايا نائمة
وأزلام صاحين .
فلماذا تصر بعض المدن على تكديس السلاح الثقيل في أراضيها ولا تسمح
بتوزيعه ـ استراتيجيا ـ في مناطقَ أخرى .. لماذا يتعاملون مع السلاح
وكأنه ملكية خاصة !!؟ .
هذا التكديس المريب للسلاح لا يعني إلا أن يكون تهديدا للمدن الأخرى ،
أو سيفا مسلطا على رقبة الحكومة .. إن وُجدت ! .
فاتقوا الله في ليبيا ! ولا تجعلوها تتلفَّت حائرة خجولة مما يحدث لها
بعد أن فاخرت بثورتها وانتصاراتها ووحدة شعبها وعظمته !! .
ليبيا ليست في حاجة إلى " غاريبالدي " أو " بسمارك " معاصرَين ليوحّد
البلاد بالسلم أو القوة ! .. وإنما في حاجة إلى ( مجلس رئاسي ) يتمتع
بجرأة غاريبالدي وبسمارك ، وحلمهما بتأسيس دولة قوية موحَّدة .. ؛
علي المجبري
* *