يوهمك
أنه كاتب ، ويغالطك بما يكتب وفيما ينثر من كلام لا حسّ فيه ولا فكرة
ولا حركة ولا أي شيء ! .. ؛ كلام ضد الكلام ، كتابة ضد الكتابة ،
وتفكير ضد التفكير ؛ كلام لا يتميّز إلا قليلا عن العطس أوالسعال أو
صوت الارتطام أو السقوط ! .
الأفكار لا تفرض بالقوة وشتم الآخرين لأنهم خالفوك الرأي . فالأفكار تُناجَز بالأفكار والمعرفة والعلم وليس بكلمات بلا معاني ، وكأنها تشكّلت من آلاف الحروف المطبعية التي يصففها قرد في اختبار معجزات الصدفة ! .
الكتابة فن ، .. الكتابة معرفة أساسها الأخلاق .. وأول أصولها أن تحيط علما بما تكتب ، لا أن تجعل كتابتك هي مركز العلم والمعرفة وكأنك المنظِّر أو الفيلسوف الذي يحلل ويستنبط ويقدم خلاصة فكرِه للعالم كمسلّمات وبديهيات غير قابلة للتمحيص أو النقد أو حتى الاقتراب من مجالها المحروس .
الجهل بفن الكتابة وأصولها يضع الكاتب في مأزق ، ويجعل كتاباته مجرد استهلاك للحبر والورق ووقت القارئ ، ثم هي فوق ذلك تنقل القارئ إلى منطقة ( الدوخان ) والاشمئزاز ، .. وقد تدفعه ـ في حالات كثيرة ـ إلى أن يكره القراءة و(صنْف ) الكتّاب ! .
ففي الأيام الماضية وقفت على مقال طويل طويل في كلماته وحروفه ولكنه قزمٌ وصغير في مضمونه ومعانيه ، كان المقال يدعو إلى الفيدرالية بأسلوب مهاجمة وشتم كل من يرى في الفيدرالية رأيا غير رأيه !! .. ؛ فلم يكتب شيئا عن موضوع فيدراليتِهِ ! ، لم يكتب جملةً واحدة عن الفيدرالية ! ، وإنما حشا مقاله بمئات الأسطر من عبارات السبّ والشتم التي نال بها كل من دعا إلى تأسيس الدولة الواحدة الموحدة في ليبيا .
.. لقد ضحكت كثيرا بقدر ما تأسفت على وجود مثل هؤلاء الكتّاب الذين مازالوا يتحدثون بلغة التخوين والتهديد التي هي لغة الضعفاء والعجزة والمبتدئين في دنيا الحرف والكتابة .
أنا لا أدعو أحدا لترك الكتابة ، ولكن لتعلّم أبجدياتها وفنونها قبل أن يقذف في وجه القارئ كل هذا السعال أو العطاس دون خجل أو تدبّر أو تفكير ! .
فكاتبنا هذا مثلا كتب حول ( الفيدرالية ) دون أن يكتب عنها سطرا واحدا ! .. تغزّلَ فيها دون أن يقول شيئا ولو صغيرا عن أركانها أو مزاياها أو شروط تأسيسها أو حسابات نجاحها وفشلها .. ؛ لقد ساق أمثلة هي غاية في المغالطة ؛ أمثلة لا محل لها في المعلّقة الشتائمية التي جاءت وكأنها مجرد حصىً أو ودعٍ ألقته غجرية تمتهن استغفال عقول المارة أو المعانين من أزمة ما ! .
كان على الكاتب أن يسوق للقارئ أمثلة واقعية وذات مناخ جيوغرافي وديموغرافي وسياسي واقتصاديّ واجتماعي وديني ولغوي كمناخنا الليبي الذي يعرفه الجميع .
كان عليه أن يصوّر للشعب الحقيقة كما هي ولا يخدعه بتصوير ظلال أشياء أُخر لا تمتّ إلى الصورة المزعومة بصلة .
أقول للكاتب ( المبجّل ) ؛ مثلما الأسلوب هو عمود الكتابة فإنّ الفكر والعلم والمعرفة هي أوتادها التي تشدها إلى الأرض وتربطها بالواقع وتجعل من الخيمة خيمةً وليست مجرد قماشة تلعب بها الأرياح كيفما تشاء .
فبالله ، لا تجعل من الخيمة مجرد خرقة من خِرق زمن التخوين .
علي المجبري
* *